لا يقال : إنّ الزّاني مثلا هو المصدر (١) المتّصف بالمصدر والله تعالى مصدر وغير متّصف به ، لأنّا نقول عدم صحّة اتّصافه تعالى بالزّنا إنّما هو لدلالة العقل والشّرع على استحالته عليه ، والكلام في إثباته بحسب اقتضاء اللّغة وهو لازم بحسبه كما لا يخفى ، وأيضا يلزم على هذا أن لا يوجد زان أصلا ، أمّا عدم كون الزّاني هو الله تعالى فلما ذكرت أنّه مصدر غير متّصف به ، وأمّا أنه ليس هو العبد فلأنه ليس بمصدر بمعنى الخلق عندكم ، وكونه مصدرا بمعنى الكسب لم يثبت بعد ودون إثباته خرط القتاد.
وأما قوله : المجوس لا يثبتون إلّا شريكا واحدا وهؤلاء يثبتون شركاء لا تحصى ، ففيه : أنّ الأشاعرة لو ارتقوا إلى السّماء لما أمكن لهم الخلاص عمّا مرّ : من لزوم مشاركتهم للنّصارى في إثبات الشّركاء القدماء ولا يمكنهم معارضة ذلك بالزامنا بشيء من الشّركاء ، وذلك لظهور أنه إنّما يلزمنا مشاركة المجوس فيما ذكره لو قلنا : إنّ الشيطان نفسه أو سائر العباد أنفسهم ليسوا مخلوقين لله تعالى وقلنا : إنّهم متصرّفون مع الباري سبحانه تصرّف مقاهرة ومغالبة ونحن لا نقول بشيء من ذلك ، بل عندنا أنّ إبليس كسائر شياطين الإنس والجنّ لا يتمكّن من الصّالحين من الأنبياء وغيرهم مع ضعفهم ، فكيف بجبّار السّماوات والأرضين؟! وقد قال تعالى : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) (٢) ، وقال : (خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) (٣) ، لكن لمّا كان التّكليف ينافيه الجبر خلّى الباري تعالى بين الإنسان وشيطانه ليميز (٤) الخبيث كالنّاصب وأضرابه من الطيّب ، وقد نطق بذلك القرآن
__________________
(١) اسم فاعل من الإصدار على زنة مكرم وقوله «بالمصدر» عقيب ذلك مصدر ميمى على زنة مقتل.
(٢) النساء. الآية ٧٦.
(٣) النساء. الآية ٢٨.
(٤) متخذ من قوله تعالى في سورة الأنفال الآية ٣٧ ليميز الله الخبيث من الطيب.