قال النّاصب خفضه الله
أقول : مذهب الأشاعرة أنّ أفعال الله تعالى ليست معلّلة بالأغراض ، وقالوا : لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض كما سيجيء بعد هذا ، ووافقهم في ذلك جماهير الحكماء والإلهيّين ، وهو (يَفْعَلُ ما يَشاءُ) و (يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) (١) ، إن أراد تخليد عباده في النّار فهو المطاع والحاكم ولا تأثير للعصيان في أفعاله بل هو المؤثّر المطلق «انتهى».
أقول : لا يخفى أنّ أهل السّنة يشنعون دائما على الإماميّة والمعتزلة بموافقتهم للفلاسفة في بعض المسائل وإن وقعت تلك الموافقة على سبيل الاتّفاق وهاهنا افتخر النّاصب بموافقة الحكماء للأشاعرة. ومن المضحكات أنّه أورد بدل الفلاسفة لفظ الحكماء تبعيدا للأذهان عمّا كانوا يشنعون به غيرهم من موافقة الفلاسفة ، ثمّ جعل الأشاعرة المتأخّرين عن الفلاسفة بألوف سنين متبوعا لهم من أنّ ما نسبه إليهم من موافقتهم للأشاعرة في نفي تعليل أفعال الله تعالى عن الأغراض افتراء عليهم ، وإنّما ذلك شيء فهمه بعض القاصرين عن ظواهر كلامهم ، وقد صرّحوا بخلافه في مواضع ، منها ما ذكره بعض المتألهين (٢) من المتأخّرين حيث قال في خطبة بعض مصنّفاته : والصّلاة على الغاية والمقصود محمّد منبع الوجود ، ثمّ قال في شرحه : ولقائل أن يقول إنّكم منعتم الأغراض بالنّسبة إلى أفعال الجواد المطلق وقلتم : إنّ إفاضته للوجود ولوازمه جود مطلقا فلا يستلزم لشيء من الأغراض ، وإلّا لما تحقق معنى الجود كما قرّرتموه ، فكيف أثبتم الغاية وجعلتموها هاهنا العلّة
__________________
(١) اقتباس من قوله تعالى ، في سورة الحج. الآية ١٨ وقوله تعالى في سورة المائدة الآية ١ وغيرهما من الآيات.
(٢) الظاهر هو المولى افضل الدين.