زمانين ، فالأعراض جملتها غير باقية عندهم بل هي على التّقضّي والتّجدّد ينقضي واحد منها ويتجدّد آخر مثله ، وتخصيص كلّ من الآحاد المتقضّية المتجدّدة بوقته الذي وجد فيه إنّما هو للقادر المختار فانّه يخصص بمجرّد إرادته كلّ واحد منها بوقته الذي خلقه فيه وإن كان يمكن له خلقه قبل ذلك الوقت وبعده ، وإنّما ذهبوا إلى ذلك لأنّهم قالوا : بأنّ السّبب المحوج إلى المؤثّر هو الحدوث ، فلزمهم استغناء العالم حال بقائه عن الصّانع بحيث لو جاز عليه العدم ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، لما ضرّ عدمه في وجوده ، فدفعوا ذلك بأنّ شرط بقاء الجوهر هو العرض ، ولمّا كان هو متجدّدا محتاجا إلى المؤثّر دائما كان الجوهر أيضا حال بقائه محتاجا إلى ذلك المؤثّر بواسطة احتياج شرطه إليه ، فلا استغناء أصلا ، واستدلوا على هذا المدّعى بوجوه منها : أنّها لو بقيت لكانت باقية متّصفة ببقاء قائم بها ، والبقاء عرض فيلزم قيام العرض بالعرض وهو محال عندهم هذا هو المدعى والدّليل. وذهبت الفلاسفة ومن تابعهم من المعتزلة والإماميّة إلى بقاء الأعراض ، ودليلهم كما ذكر هذا الرّجل أنّ القول بخلافه مكابرة للحسّ وتكذيب للضّرورة ، والجواب أن لا دلالة للمشاهدة على أنّ المشاهد أمر واحد مستمرّ لجواز أن يكون أمثالا متواردة بلا فصل ، كالماء الدّافق من الأنبوب (١) يرى أمرا واحدا مستمرّا بحسب المشاهدة وهو في الحقيقة أمثال تتوارد على الاتّصال فمن قال : إنّه أمثال متواردة كان ينبغي على ما يزعمه هذا الرّجل أن يكون سوفسطائيّا منكرا للمحسوسات ، وكذا جالس السّفينة إذا حكم بأنّ الشّط ليس بمتحرّك كان ينبغي أن يحكم بأنّه سوفسطائي لأنّه يحكم بخلاف الحسّ ، وقد صوّرنا قبل هذا مذهب السّوفسطائيّة ، ويا ليت هذا الرّجل كان لم يعرف لفظ السّوفسطائي ، فانّه يطلقه في مواضع لا ينبغي أن يطلق فيها وهو
__________________
(١) الأنبوب : ما بين العقدتين من القصب ، أو الرمح ، ويستعار لكل أجوف مستدير كالقصب ومنه انبوب الكوز قصبته انتهى. ثم لو مثل الناصب بالشعلة الجوالة لكان انسب.