فإنّا بالضّرورة قادرون على كثير من القبائح ، ولا يقع منّا ونحن الضّعفاء ، فكيف بالقادر الحكيم؟ بل قدرته تعالى ثمّة متعلّقة بكلّ ما هو ممكن من حيث ذاته وإن امتنع وقوعه من حيث الحكمة ، فهو تعالى قادر على هذه الأشياء ، لإمكانها الذّاتي وامتناعها الغيري لا يخرجها عن كونها مقدورة ، لأنّ الامتناع الغيري لا ينافي الإمكان الذّاتي وامتناعها ليس ذاتيّا ، فصحّ تعلّق القدرة بها ، وهاهنا أجوبة مخصوصة بكلّ من المذاهب لأربعة مذكورة في كتب أصحابنا وفي كتب الجمهور فليطالع ثمّة.
قال المصنّف رفع الله درجته
المبحث الثاني في أنّه تعالى مخالف لغيره بذاته ، العقل والسّمع تطابقا على عدم ما يشبهه تعالى ، فيكون مخالفا لجميع الأشياء بنفس حقيقته ، وذهب أبو هاشم من الجمهور وأتباعه إلى أنّه يخالف ما عداه بصفة الالهيّة وأنّ ذاته مساوية لغيره من الذّوات ، وقد كابر الضرورة هاهنا الحاكمة بأنّ الأشياء المتساوية يلزمها لازم واحد لا يجوز اختلافها فيه ، فلو كانت ذاته تعالى متساوية لغيرها من الذّوات لساوتها في اللّوازم ، فيكون القدم أو الحدوث أو التّجرّد أو المقارنة إلى غير ذلك من اللّوازم مشتركا بينها وبين الله ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. ثم إنّهم ذهبوا مذهبا غريبا عجيبا : وهو أنّ هذه الصّفة الموجبة للمخالفة غير معلومة ، ولا مجهولة ولا موجودة ولا معدومة ، وهذا الكلام غير معقول في غاية السفسطة «انتهى.»
قال النّاصب خفضه الله
أقول : مذهب الشّيخ أبي الحسن الأشعري أنّ ذاته تعالى مخالف لسائر الذّوات ، والمخالفة بينه وبيننا لذاته المخصوص ، لا لأمر زائد عليه ، وهكذا ذهب إلى أنّ المخالفة بين كلّ موجودين من الموجودات إنّما هو بالذّات ، وليس بين الحقائق اشتراك إلا في الأسماء والأحكام دون الأجزاء المقوّمة ، وقال قدماء