خلاف ما حكم بأنسبيّته ، وكيف يكون كذلك؟ مع ظهور أنّ الاكتفاء بقوله : بردا يوهم كون البرد المتعدّي بعلى للمضرة ، وما قال من أنّ هذا يعرفه الذّوق الصحيح : إن أراد به مذاق نفسه فهو لا يصير حجّة على أحد ، فإنّ مذاقه الصّفراوي المبتلى بمرارة عداوة أهل البيت عليهمالسلام وشيعتهم ، ربما يجد الأمر على خلاف ما هو عليه كما يجد الصفراوي العسل مرّا ، وإن أراد به ذوق غيره ، فعلى تقدير حجّيته لا نسلّم أنّهم يجدون معنى الآية على حسب ما وجده كما أوضحناه ، وهذا لم يكن مما يخفى على من به أدنى مسكة (١) ، لكن ديدن المحجوج المبهوت دفع الواضح وإنكار المستقيم بدعوى الذّوق والفهم السّقيم شعر :
وكم من عائب قولا صحيحا |
|
وآفته من الفهم السّقيم |
قال المصنّف رفع الله درجته
البحث الخامس في أنّ الوجود ليس علة تامّة في الرّؤية. خالفت الأشاعرة كافّة العقلاء هاهنا ، وحكموا بنقيض المعلوم بالضّرورة ، فقالوا : إنّ الوجود علّة تامّة في كون الشّيء مرئيّا ، فجوّزوا رؤية كلّ شيء موجود (٢) ، سواء كان في حيّز أولا وسواء كان مقابلا أولا ، فجوّزوا إدراك الكيفيّات النّفسانيّة كالعلم والإرادة والقدرة والشّهوة واللّذة ، وغير النّفسانية ممّا لا يناله البصر ، كالرّوائح والطعوم والأصوات والحرارة والبرودة وغيرها (غيرهما خ ل) من الكيفيّات الملموسة ، ولا شك في أن هذا مكابرة للضّروريّات ، فإنّ كل عاقل يحكم بأنّ الطعم إنّما يدرك
__________________
(١) المسكة. بالضم العقل.
(٢) لا يخفى أن الإمكان الذاتي المصحح للقدرة العامة أمر لا يجزم العقل بانتفائه ، بل ربما يحققه ، فلا إشكال أصلا في تجويز شيء مما هو خلاف العادة.