بصيرته ، فنقول : ذهب السّوفسطائية إلى نفى حقائق الأشياء ، فهم يقولون : إن حقيقة كلّ شيء ليست حقيقته ، فالنّار ليست بالنّار ، والماء ليس بالماء ، ويجوز أن يكون حقيقة الماء حقيقة النّار وحقيقة الماء حقيقة الهواء ، وليس لشيء حقيقة ، فيلزمهم أن تكون النّار التي نشاهدها لا تكون نارا ، بل ماء وهواء ، أو غير ذلك ، وهذا هو السفسطة ، وينجرّ هذا إلى ارتفاع الثّقة من المحسوسات وتبطل به الحكمة الباحثة عن معرفة الأشياء وأما حاصل كلام الأشاعرة في مبحث الرّؤية وغيرها ممّا ذكره هذا الرّجل ، فهو أنّ الأشياء الموجودة عندهم إنّما تحصل وتوجد بإرادة الفاعل المختار وقدرته التي هي العلّة التّامة لوجود الأشياء فإذا كانت القدرة هي العلّة التّامة فلا يكون وجود شيء واجبا عند حصول الأسباب الطبيعيّة ، ولا يكون شيء مفقودا بحسب الوجود عند فقدان الأسباب والشرائط ، ولكن جرت عادة الله تعالى في الموجودات : أنّ الأشياء تحصل عند وجود شرائطها (١) وتنعدم عند انعدامها ، فهذه العادة في الطبيعة جرت مجرى الوجوب ، فالشّيء الذي له شرائط في الوجود يجب تحقّقه عند وجود تلك الشرائط وانتفائه عند انتفائها بحسب ما جرى من العادة ، وإن كان ذلك الشيء بالنسبة إلى القدرة غير واجب ، لا في صورة التحقّق لتحقّق الشرائط ولا في الانتفاء لانتفائها ، بل جاز في العقل تحقّق الشّرائط وتخلف ذلك الشيء وكذا تحقّق ذلك الشيء مع انتفاء الشرائط إذ لم يلزم منه محال عقليّ ، وذلك بالنّسبة إلى قدرة المبدأ الذي هو الفاعل المختار مثلا الرّؤية التي نحن نباحث فيها لها شرائط وجب تحقّقها عند تحقّقها وامتنع وقوعها عند فقدان الشّرائط ، كلّ ذلك بحسب ما جرى من عادة الله تعالى في خلق
__________________
(١) ليس المراد بالشرط هنا ، هو المعنى الذي اصطلح عليه الفلاسفة ، بل المراد ما يقال له الشرط في العرف بحسب ما يشاهد من المصاحبة الدائمة او الاكثرية بينه وبين ما يعتبر أنه المشروط كالنار للإحراق ، والاكل للشبع. من الفضل بن روزبهان.