أن يكون أهل بغداد على كثرتهم وصحّة حواسّهم ، يجوز عليهم جيش عظيم ويقتلون وتضرب فيهم البوقات (١) الكثيرة ويرتفع الرّيح وتشتدّ الأصوات ولا يشاهد ذلك أحد منهم ولا يسمعه ، ومحال أن يرفع أهل الأرض بأجمعهم أبصارهم إلى السّماء ولا يشاهدونها ، ومحال أن يكون في السّماء ألف شمس ، وكلّ واحدة منها ألف ضعف من هذه الشّمس ولا يشاهدونها ، ومحال أن يكون لإنسان واحد مشاهد أنّ عليه رأسا واحدا ، ألف رأس لا يشاهدونها ، وكلّ واحد منها مثل الرّأس الذي يشاهدونها ، ومحال أن يخبر واحد بأعلى صوته ألف مرّة بمحضر ألف نفس كلّ واحد منهم يسمع جميع ما يقوله : بأنّ زيدا ما قام ويكون قد أخبر بالنّفى ، ولم يسمع الحاضرون حرف النّفى مع تكرّره ألف مرّة ، وسماع كلّ واحد منهم جميع ما قاله ، بل علمنا بهذه الأشياء أقوى بكثير من علمنا بأنّا حال [خ ل حين] خروجنا من منازلنا ، لم تنقلب الأواني التي فيها ، أناسا مدقّقين في علم المنطق والهندسة ، وأن ابني الذي شاهدته بالأمس ، هو الذي شاهدته الآن ، وأنّه لم يحدث حال تغميض العين ألف شمس ، ثم انعدم عند فتحها ، مع أنّ الله تعالى قادر على ذلك كلّه ، وهو في نفسه ممكن ، وأنّ المولود الرّضيع الذي يولد في الحال إنما يولد من الأبوين ، ولم يمرّ عليه ألف سنة مع إمكانه في نفسه ، وبالنّظر إلى قدرة الله تعالى ، وقد نسبت السّوفسطائية إلى الغلط وكذبوا كلّ التكذيب في هذه القضايا الجائزة فكيف بالقضايا التي جوّزها الأشعرية التي تقتضي زوال الثّقة عن المشاهدات؟! ومن أعجب الأشياء جواب رئيسهم وأفضل متأخريهم فخر الدين الرازي (٢) في هذا الموضع حيث قال : يجوز أن يخلق الله
__________________
(١) جمع البوق وهي آلة ينفخ فيها.
(٢) هو العلامة فخر الدين محمد بن عمر الرازي الشافعي المشتهر بالإمام المتوفى سنة ٦٠٦ صاحب التفسير الكبير المسمى بمفاتيح الغيب وعدة كتب ، وما نقله مولانا القاضي