بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدمة
الحمد لله على ما تواتر من آلائه ، وله الشكر على ما تظافر من نعمائه ، حمدا يليق بجلاله ، ويوازى ما تتابع من أفضاله ، والصلاة والسلام على من ختم الرسل بإرساله ، وكمل أمّته بإكماله محمد المصطفى وعلى جميع أهله وآله.
وبعد فإن الغرض من وضع الكتب إنما هو بيان علم مقصود به ؛ فلذلك لا ينبغى أن يخلط به غيره مما يبيّن في علم آخر لئلا يتشعّب الفهم ، وينبو عنه السمع ، ويطول الكلام فيه فيؤدّى إلى الإملال في سماعه : وقد لا ينهض بكتابته لطوله فيعجز عن تحصيله.
وهذه حال الكتاب المسمى بمعجم البلدان ؛ فإن الغرض المقصود منه إنما هو معرفة أسماء الأماكن والبقاع التى على الربع المسكون من الأرض مما ورد به خبر أو جاء في شعر ، وبيان جهته من الأرض وموضعه من أصقاعها ، فما زاد على هذا القدر فهو فضل لا حاجة إليه فى المقصود منه ، فهو وإن كان فيه علم زائد عن المطلوب فهو خارج عن الغرض ، وذلك مثل الاشتقاقات التى ذكرها في كثير من الأسماء عربية كانت أو عجميّة ، يعلم من أكثرها قطعا أن ذلك في أصل الوضع ليس مشتقا من ذلك ليكون علة في جعل الاسم علما لذلك الموضع ، وإنّ الاسم لا يكون مشتقا إلا إذا كان في المسمّى صفة يشتقّ الاسم منها ليدلّ على وجودها في ذلك المسمّى ، كما سمّى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ المدينة طيبة ، لما فيها من الطيب والفضل به ، ورغب عن يثرب ، لما فيه من لفظ التثريب.
وفي البلدان أسماء أعجميّة يعلم قطعا أنها ليست مشتقة اشتقاق العربية ، فلم يبق إلّا اشتقاق اللفظ لا بالنسبة إلى ما سمّى به ، وذلك علم برأسه تشتمل كتب اللغة وعلم الأبنية عليه ، فخلطه بهذا تطويل لا حاجة إليه ، وكذلك ما ذكره من طوالع البلدان فأكثره لا يصحّ