ثم إنك قد عرفت أن «جميعا»
قيد لضمير الجمع ، وكلمة «مني»
قيد للمبتدأ ، فحق كل واحد منهما أن يتصل بمقيدة فيقال : «عليكم مني جميعا سلام
الله» ، ولم يظهر لي وجه تقديم «مني»
، فيحتمل كونه من سهو الرواة ، فلا تترك الاحتياط.
ثم إن قوله «أبدا»
يفيد التأبيد ، وقوله «ما
بقيت» يفيد التوقيت بناء على ظاهره من
البقاء في الدنيا ، وكذا قوله «وبقي
الليل والنهار» ، إلا أن مدة
البقاء في الأول قصيرة ، وفي الثاني طويلة فيقع التنافي بين التأبيد والتوقيت ، وفيه
بين الطويل والقصير.
لكن يمكن إبقاء «أبدا»
على ظاهره من التأبيد ، والتصرف الباقي بإرادة بقاء النفس الناطقة أبدا في الدنيا
والآخرة ، وإرادة التأبيد من بقاء الليل والنهار بجعله من مصطلحات العرف وكناياتهم
في إفادة التأبيد ، نظير قوله تعالى (إن تستغفر لهم سبعين
مرة فلن يغفر الله لهم)
[التوبة ٨٠] ، قوله عليه السلام
في الصلوات الطويلة في أيام شهر رمضان «على محمد وآله السلام كلما طلعت شمس أو
غربت ، على محمد وآله السلام كلما طرفت عين أو برقت ، على محمد وآله السلام كلما
طرفت عين أو ذرفت ، على محمد وآله السلام كلما ذكر السلام ، على محمد وآله السلام
كلما سبح الله ملك أو قدسه» ، فتعليق «السلام» على طلوع الشمس وغروبها وإن كان
توقيتا بحسب اللفظ ، إلا أن الفقرات الباقية قرينة على إرادة التأبيد.
__________________