عليهم الصلاة والسلام.
فنحن نثبت أوّلا حرمة العمل بالقياس كسائر أصول ديننا ومذهبنا بالإجماع والضّرورة والأخبار المتواترة.
ثمّ نقول : إنّ الأصل في الأحكام الفقهيّة جواز العمل بالظنّ ، لا أنّه يحرم العمل بالظنّ إلّا ما أثبته الدّليل ، فإنّه طريق لا يكاد يمكن إتمامه كما شرحناه مستوفى في مباحث الأخبار ، وبذلك يتخلّص عن الإشكال في أنّ دليل وجوب عمل المجتهدين بالظنّ عقليّ قطعيّ مبنيّ على لزوم تكليف ما لا يطاق ، وترجيح المرجوح لولاه ، والدليل القطعيّ لا يقبل التخصيص ، فكيف يستثنى من ذلك القياس.
أو نقول : إنّ ما ذكروه من طرق استنباط العلّة في القياس ، ممّا لا يفيد الظّن ، سيّما بعد ملاحظة ما ورد في الأخبار وكلمات أصحابنا الأخيار من المنع عنه ، سيّما بعد ملاحظة أنّ مبنى الشريعة على جمع المختلفات وتفريق المتّفقات ، فقد ترى أنّ الشّارع حكم باتّحاد المنزوح من البئر لنجاسة الكلب والخنزير والشّاة ، وباختلاف الأبوال النّجسة والمني والبول ، وجمع في موجبات الوضوء بين النوم والبول والغائط ، وحكم بحرمة صوم العيد ووجوب سابقه وندب لاحقه ، وأمر بقطع اليد للسّارق دون الغاصب ، وأمثال ذلك ممّا لا يعدّ ولا يحصى.
ومع ذلك ، فكيف يحصل الظّن بعلّة الحكم من دون تنصيص الشّارع العالم بالحكم الخفيّة والمصالح الكامنة ، سيّما مع ملاحظة مثل قوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا)(حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ)(١) ، وقوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ
__________________
(١) النساء : ١٦٠.