ثيودوروس ! رغب في أن يزور آثار بابل .. وبسرعة هيئت وسائل سفره
وتحرك مع رفقائه وبعد ثمانية أيام من حركتهم هذه عادوا إلى دار القنصلية والعرق
يتصبّب من أجسامهم وأنفاسهم تتلاحق حتى يخيل إلى الرائي أنهم يكادون يموتون إعياء
ونصبا! وبمجرد وصولهم ذهبوا توّا إلى غرفهم الخاصة ليغتسلوا ويبدلوا ملابسهم التي
كانت ألوانها قد تغيرت بالغبار والتراب. أما صاحبنا المسيو .... فقد فضّل أن يجلس
إلى جانبي في الصالون ويحدثني عن نزهته أو مغامرته على الأصح ، وما زال عليه وعثاء
الطريق والغبار يغطي رأسه وملابسه بشكل يبعث على القرف. ولقد خيّل إليّ أول الأمر
أن ضيفي هذا مراعاة للأدب والمجاملة لم يذهب إلى غرفته لينظف نفسه لذلك رأيتني
أفهمه بالتلميح طورا وبالتصريح أخرى بأنه حر إذا ما أراد أن يذهب للاستحمام وطلب
الراحة ، ولا سيما أنه يبدو متعبا أكثر ممن سواه والتراب يغطيه بصورة أبشع من غيره
..
بيد أنه لم تجد كل
تلك المحاولات معه حتى لم أر بدّا من القول له : بأني قائمة الآن لكي أرى أهيّؤوا
لك الصابون وأدوات الحلاقة أم لا؟
ردّ علي صاحبي
بقوله : إنني أشكر لك هذه العناية بي شكرا جزيلا .. ولكن اطمأني يا سيدتي بأنني لا
أحلق ذقني هذا اليوم .. إنني كأي رجل عاقل اعتدت أن أحمل معي ضروريات حياتي ..
وهنا رأيته يمد يده إلى جيبه ويخرج منه سكينا مثلومة وقطعة من الصابون وأردف بقوله
: إنني قبل أن آخذ مكاني في السفينة وأبحر من مرسيليا قد حملت معي لوازم سفري ..
ثم أشار إلى السكين وقطعة الصابون!
عجبا .. أو تركت
مارسيليا منذ مدة طويلة؟
لا .. ولكنها تقرب
من ثلاث سنين ولما رأيت قطعة الصابون على وشك النفاد فقد صرفت النظر عن حلاقة قسم
من لحيتي وتركتها تطول .. وفي هذه الأثناء كشف أطراف ثوب صوفي قصير كان يرتديه
فبانت لحيته الكثة التي
__________________