المتكلم من الحكم فيه لضرب من التأويل إفادة للخلاف لا بواسطة وضع ، كقولك
: أنبت الربيع البقل ، وشفى الطبيب المريض ، وكسا الخليفة الكعبة ، وهزم الأمير
الجند ، وبنى الوزير القصر .
وعرف الخطيب
القزويني هذا المجاز بقوله : «هو إسناد الفعل أو معناه إلى ملابس له غير ما هو له
بتأويل». وللفعل ملابسات شتى ، فهو يلابس الفاعل والمفعول به والمصدر والزمان
والمكان والسبب ، فإسناد الفعل إلى الفاعل إذا كان مبنيا له حقيقة ، وكذا إسناده
إلى المفعول إذا كان مبنيا له. أمّا إسناد الفعل إلى غيرهما لمشابهته لما هو له في
ملابسة الفعل فمجاز ، كقولهم في المفعول به : عيشة راضية ، وماء دافق ، وكقولهم في
عكسه : سيل مفعم ، وفي المصدر : شعر شاعر ، وفي الزمان : نهاره صائم وليله قائم ،
وفي المكان : طريق سائر ، ونهر جار ، وفي السبب : بنى الأمير المدينة .
أمّا عبد
القاهر الجرجاني فيسمي هذا الضرب من المجاز «المجاز الحكمي». ويفهم من كلامه أنّه
يقصد به المجاز الذي لا يكون في ذات الكلمة ونفس اللفظ ، ففي قولك : «نهارك صائم
وليلك قائم» ليس المجاز في نفس «صائم وقائم» ولكن في إجرائهما خبرين على «النهار
والليل». وكذلك في قوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ
تِجارَتُهُمْ) ليس المجاز في لفظة «ربحت» نفسها ولكن في إسنادها إلى «التجارة».
فكل لفظة هنا أريد بها معناها الذي وضعت له على وجهه وحقيقته ـ فلم يرد بصائم غير
الصوم ، ولا بقائم غير القيام ، ولا بربحت غير الربح .
__________________