إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

علم البيان

علم البيان

108/230
*

ومنه كذلك قول ابن شهيد (١) الأندلسي يصف برغوثا : «أسود زنجيّ. أهليّ وحشيّ ... كأنه جزء لا يتجزأ من ليل ، أو نقطة مداد ، أو سويداء فؤاد ...» فالغرض من التشبيهات الثلاثة هنا هو بيان مقدار حال المشبه ، لأنه لما وصف البرغوث بالسواد أراد أن يبيّن مقدار هذا السواد.

فالغرض من التشبيه عند عنترة والمتنبي وابن شهيد هو بيان مقدار حال المشبه ، أي بيان مقدار صفته المعروفة فيه قبل التشبيه معرفة إجمالية.

٤ ـ تقرير حال المشبه : أي تثبيت حاله في نفس السامع وتقوية شأنه لديه ، كما إذا كان ما أسند إلى المشبه يحتاج إلى التأكيد والإيضاح بالمثال ؛ وذلك نحو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ.)

فالآية الكريمة تتحدث في شأن عبّاد الأوثان الذين يتخذون آلهة غير الله ، وتصفهم بأنهم إذا دعوا آلهتهم لا يستجيبون لهم ، ولا يعود عليهم دعاؤهم إياهم بفائدة. وقد أراد الله سبحانه أن يقرّر هذه الحال ويثبتها في الأذهان ، فشبّه هؤلاء الوثنيين بمن يبسط كفّيه إلى الماء ليشرب فلا يصل الماء إلى فمه بداهة ، لأنه يخرج من خلال أصابعه ما دامت كفّاه مبسوطتين. فالغرض من التشبيه هنا تقرير حال المشبه.

ومن أمثلة هذا الغرض أيضا قول الشاعر :

وأصبحت من ليلى الغداة كقابض

على الماء خانته فروج الأصابع

فحال الشاعر مع صاحبته ليلى هي حال من كلما دنا منها بعدت عنه ، أو حال من كلما أوشك أن يظفر بها أفلتت منه ، وقد أراد الشاعر أن

__________________

(١) من أدباء الأندلس وشعرائهم ، له شعر جيد ومؤلفات قيّمة. توفي سنة ٤٢٦ ه‍.