وجميع ما ذكرنا من الظروف التي شبّهت بالاصوات ونحوها من الأسماء غير الظروف اذا جعل شيء منها اسما لرجل أو امرأة تغيّر كما تغيّر لو وهل وبل وليت كما فعلت ذلك بذا وأشباهها لأنّ ذا قبل أن تكون اسما خاصا كمن في أنه لا يضاف ولا يكون نكرة فلم يتمكّن تمكّن غيره من الاسماء ، وسألت الخليل عن قولهم مذ عام أوّل فقال أوّل هيهنا صفة ، وهو أفعل من عامك ولكنهم ألزموه هنا الحذف استخفافا فجعلوا هذا الحرف بمنزلة أفضل منك وقد جعلوه اسما بمنزلة أفكل ، وذلك قول العرب ما تركت له أوّلا ولا آخرا وأنا أوّل منه ولم يقل رجل أوّل منه فلمّا جاز فيه هذان الوجهان أجازوا أن يكون صفة وأن يكون اسما ، وعلى أيّ الوجهين جعلته اسما لرجل صرفته في النكرة ، وإذا قلت عام أول فانما جاز هذا الكلام لأنك تعلم به أنك تعني العام الذي يليه عامك كما أنك إذا قلت أول من أمس أو بعد غد فانما تعني الذي يليه أمس والذي يليه غد ، وأمّا قولهم ابدا به أوّل وابدأ بها أوّل فانما تريد أيضا أوّل من كذا ولكن الحذف جائز جيّد كما تقول أنت أفضل وأنت تريد من غيرك الّا أن الحذف لزم صفة عام لكثرة استعمالهم إيّاه حتى استغنوا عنه ، ومثل هذا في الكلام كثير ، والحذف يستعمل في قولهم ابدأ به أوّل أكثر ، وقد يجوز أن يظهروه الّا أنهم اذا أظهروه لم يكن الّا الفتح ، وسألته عن قول بعض العرب وهو قليل مذ عام أوّل فقال جعلوه ظرفا في هذا الموضع فكأنه قال مذعام قبل عامك ، وسألته عن قوله زيد أسفل منك فقال هذا ظرف كقوله عزوجل (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) كأنه قال زيد في مكان أسفل من مكانك ومثل الحذف في أوّل لكثرة استعمالهم إياه قولهم لا عليك فالحذف في هذا الموضع هكذا ومثله هل لك في ذلك ومن له في ذلك ولا تذكر له حاجة ولا لك حاجة ، ونحو هذا أكثر من أن يحصى قال : [رجز]
(٥٨) يا ليتها كانت لاهلي إبلا |
|
أو هزلت من جدب عام أوّلا |
__________________
(٥٨) الشاهد في جرى أول على قوله عام نعتاله والتقدير من جدب عام أول من هذا العام ويجوز أن يكون منصوبا على الظرف على تقدير من جدب عام وقع عاما أول من هذا العام فحذف العام وأقام أول مقامه.