لادغمتهما ولم تستطع الا ذلك لأن الحرفين استويا في الموضع وفي اللين ، فصارت هذه الياء والواو مع الميم والجيم نحوا من الألف مع المقاربة لأن فيهما لينا وان لم يبلغا الألف ولكن فيهما شبه منها ، ألا ترى أنه اذا كانت واحدة منهما في القوافي لم يجز في ذلك الموضع غيرها اذ كانت قبل حرف الرّويّ فلم تقو المقاربة عليها لما ذكرت لك ، وذلك قولك رأيت قاضي جابر ورأيت دلو مالك ورأيت غلامى جابر ولا تدغم في هذه الياء والجيم وان كانت لا تحرّك لأنك تدخل اللين في غير ما يكون فيه اللين ، وذلك قولك أخرج ياسرا فلا تدخل ما لا يكون فيه اللين على ما يكون فيه اللين كما لم تفعل ذلك بالألف ، واذا كانت الواو قبلها ضمة والياء قبلها كسرة فهو أبعد للادغام لأنها حينئذ أشبه بالألف وهذا مما يقوّى ترك الادغام فيهما وما قبلهما مفتوح لانهما يكونان كالألف في المدّ والمطل ، وذلك قولك ظلموا مالكا واظلمي جابرا ، ومن الحروف حروف لا تدغم في المقاربة وتدغم المقاربة فيها وتلك الحروف الميم والراء والفاء والشين ، فالميم لا تدغم في الباء ، وذلك قولك أكرم به لأنهم يقلبون النون ميما في قولهم العنبر ومن بذلك فلما وقع مع الباء الحرف الذي يفرّون اليه من النون لم يغيروه وجعلوه بمنزلة النون اذ كانا حرفي غنّة ، وأما الأدغام في الميم فنحو قولهم اصحمّطرا تريد اصحب مطرا مدغم ، والفاء لا تدغم في الباء لأنها من باطن الشّفة السّفلى وأطراف الثّنايا العلى وانحدرت الى الفم وقد قاربت من الثنايا مخرج الثاء وانما أصل الادغام في حروف الفم واللسان لأنها أكثر الحروف فلما صارت مضارعة للثاء لم تدغم في حرف من حروف الطّرفين كما أن الثاء لا تدغم فيه ، وذلك قولك اعرف بدرا ، والباء قد تدغم في الفاء للتقارب ولأنها قد ضارعت الثاء فقويت على ذلك لكثرة الادغام في حروف الفم ، وذلك قولك اذهب فيّ ذلك فقلبت الباء فاء كما قلبت الباء ميما في قولك اصحمّطرا ، والراء لا تدغم في اللام ولا في النون لأنها مكرّرة وهي تفثّى اذا كان معها غيرها فكرهوا أن يجحفوا بها فتدغم مع ما ليس يتفثّى في الفم مثلها ولا يكرّر ، ويقوّى هذا ان الطاء وهي مطبقة لا تجعل مع التاء تاء خالصة