والإيضاح فتتوجه إلى ما يرد بعد ذلك. فإذا ألقي كذلك تمكن فيها فضل تمكن ، وكان شعورها به أتم ولذتها بالعلم به أكمل.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ،) فإن قوله تعالى : (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) إيضاح للإبهام الذي تضمنه لفظ «الأمر» ، وذلك لزيادة تقرير المعنى في ذهن السامع بذكره مرتين : مرة على طريق الإجمال والإبهام ، ومرة على طريق التفصيل والإيضاح.
ومن هذا النوع من الإطناب أيضا قوله تعالى : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى؟ ،) فقوله تعالى : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ) كلام مجمل مبهم فصله ووضحه الكلام الذي جاء بعده.
ومنه كذلك قوله تعالى : (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ) فإن ذكر الأنعام والبنين توضيح لما أبهم قبل ذلك في قوله : (بِما تَعْلَمُونَ).
ومن الإيضاح بعد الإبهام التوشيع ـ وهو أن يؤتى في عجز الكلام غالبا بمثنى مفسر باسمين أحدهما معطوف على الآخر ، وذلك كقول الرسول : «يشيب ابن آدم وتشيب معه خصلتان : الحرص وطول الأمل».
ومنه شعرا قول البحتري :
لما مشين بذي الارك تشابهت |
|
أعطاف قضبان به وقدود |
في حلتي حبر وروض فالتقى |
|
وشيان : وشي ربى ووشي برود |
وسفرن فامتلأت عيون راقها |
|
وردان : ورد جنى وورد خدود |
ومتى يساعدنا الوصال ويومنا |
|
يومان : يوم نوى ويوم صدود؟ (١) |
__________________
(١) ديوان البحتري ص ٨ ، والحبر بكسر الحاء وفتح الباء : جمع الحبرة بفتح الحاء والباء ضرب من الثياب اليمانية المنمرة ، والوشي : النقش ، والبرود بضم الباء : جمع برد بضم وسكون ، وهو الثوب الموشى ، والجنى : ما يجنى من الشجر ما دام غضا طريا.