وهذه اللفظات الثلاثة من صفة المطر ، وهي تدل على معنى واحد ، ومع هذا فإنك
ترى لفظتي المزنة والديمة وما جرى مجراهما مألوفة الاستعمال ، وترى لفظ البعاق وما
جرى مجراه متروكا لا يستعمل ، وإن استعمل فإنما يستعمله جاهل بحقيقة الفصاحة أو من
ذوقه غير سليم ...
وإذن ثبت أن
الفصيح من الألفاظ هو الظاهر البين ، وإنما كان ظاهرا بينا لأنه مألوف الاستعمال ،
وإنما كان مألوف الاستعمال لمكان حسنه ، وحسنه مدرك بالسمع ، والذي يدرك بالسمع
إنما هو اللفظ ، لأنه صوت يأتلف عن مخارج الحروف.
فما استلذه
السمع منه فهو الحسن ، وما كرهه فهو القبيح ، والحسن هو الموصوف بالفصاحة ،
والقبيح غير موصوف بفصاحة لأنه ضدها لمكان قبحه.
وقد مثلت ذلك
في المتقدم بلفظة المزنة والديمة ولفظة البعاق ، ولو كانت الفصاحة أمرا يرجع إلى
المعنى لكانت هذه الألفاظ في الدلالة عليه سواء ، ليس منها حسن وليس منها قبيح ،
ولما لم يكن كذلك علمنا أن «الفصاحة» تخص اللفظ دون المعنى.
وليس لقائل
ههنا أن يقول : لا لفظ إلا بمعنى ، فكيف فصلت أنت بين اللفظ والمعنى؟ فإني لم أفصل
بينهما وإنما خصصت اللفظ بصفة هي له ، والمعنى يجيء ضمنا وتبعا».
وتدعيما لرأيه
السابق في قضية الحسن والقبح في اللفظ ، وردا على من ينكر ذلك ويزعم أن كل الألفاظ
حسن وأن الواضع لم يضع إلا حسنا ، يقول ابن الأثير في موضع آخر من كتابه : «ومن له أدنى بصيرة يعلم أن
للألفاظ في الأذن نغمة لذيذة كنغمة أوتار وصوتا منكرا كصوت حمار ، وأن لها في الفم
أيضا حلاوة كحلاوة العسل ومرارة كمرارة الحنظل ، وهي على
__________________