فكان يعمل بالنهار ، ويأوى إليها بالليل ، فاتّخدها أمّا ، واتّخذته ، ابنا ، فلمّا حضرتها الوفاة قالت له : يا هذا ، لا أحد لى غيرك ، وقد أردت أن أكرمك ، لإلطافك إياى ، وإنما كنت أعدّك ابنى ، وقد حضرنى الموت ، فإذا أنت واريتنى (١) ، فخذ هذا الذهب ، وهذه القضبان من العنب ، فإذا أنت نزلت واديا تفدر على الماء فيه ، فاغرسها فيه ، فإنّك تنتفع بها ، وماتت.
قال : فأخذ الذهب والقضبان ، ثم أقبل ، حتى إذا كان قريبا من وجّ ، وهو الطّائف ، إذا هو بأمة يقال لها خصيلة.
قال هشام : ويقال زبيبة (٢).
ترعى ثلاث (٣) مئة شاة ، فأسرّ فى نفسه طمعا فيها ، وفطنت له ، فقالت : كأنك أسررت فىّ طمعا : تقتلنى وتأخذ الغنم؟ قال إى والله. قالت : والله لو فعلت لذهبت نفسك ومالك ، وأخذت الغنم منك. أنا جارية عامر بن الظّرب العدوانىّ ، سيّد قيس وحكمها ، وأظنّك خائفا طريدا. قال : نعم : قالت. فعربىّ أنت؟ قال : نعم. قالت : فأنا أدلّك على خير ممّا أردت ؛ مولاى إذا طفلت الشمس للأياب يقبل ، فيصعد هذا الجبل ، ثم يشرف على هذا الوادى ، فإذا لم ير فيه أحدا ، وضع قوسه وجفيره (٤) وثيابه ، ثم ينحدر فى الوادى لقضاء حاجته ، ثم يستنجى بماء من العين ، ثم يصعد فيأخذ ثيابه وقوسه ، ثم ينصرف ، فيخرج رسوله ، فينادى : ألا من أراد الدّرمك (٥) واللحم والتمر واللبن ، فليأت دار عامر
__________________
(١) كذا فى س ، ق ، ومعجم البلدان. وفى ج : «وارثنى» ، وهو تحريف.
(٢) فى ج ، ق : «زبينة».
(٣) فى معجم البلدان : «مئة» بدون ثلاث.
(٤) الجفير : جعبة من جلود لا خشب فيها ، أو من خشب لا جلود فيها. (القاموس).
وفى ج «حفيره» ، وهو تحريف.
(٥) الدرمك : الدقيق النقى الحوارى ، ولعله يريد الخبز المصنوع منه.