قلت : أما الدعاء والتوسل هناك فله أصل عنهم ، والذي لم ينقل إنما هو هذا الترتيب المخصوص والظاهر أن المراد بذلك تأخير الدعاء عن السلام على الشيخين والجمع بين موقفي السلف : الأول الذي كان قبل إدخال الحجر ، والثاني الذي كان بعده ، وهو حسن ، بل سبق أوائل سادس فصول الباب الخامس من رواية ابن شبة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حين فرغ من دفن ابنه إبراهيم قال عند رأسه : السلام عليكم ، وهو ظاهر في السلام من جهة الرأس.
ومنها : أن يأتي المنبر الشريف ، ويقف عنده ، ويدعو الله تعالى ، ويحمده على ما يسّر له ، ويصلي على رسوله صلىاللهعليهوسلم ، ويسأل الله سبحانه وتعالى من الخير أجمع ، ويستعيذ به ، كما قاله ابن عساكر ، زاد الأقشهري عقبه : كما كانت الصحابة تفعل. يشير إلى ما رواه عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال : رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا خلا المسجد يأخذون برمانة المنبر الصلعاء التي كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يمسكها بيده ، ثم يستقبلون القبلة ويدعون.
وفي الشفاء لعياض عن أبي قسيط والعتبي رحمهماالله : كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم إذا خلا المسجد حبسوا رمانة المنبر التي تلي القبر بميامنهم ، ثم استقبلوا القبلة يدعون.
وقال النووي عقب ما تقدم عنه : ثم يأتي الروضة فيكثر فيها من الدعاء والصلاة ، ويقف عند القبر ويدعو.
قلت : ويقف أيضا ويدعو عند أسطوان المهاجرين ، ويتبرك بالصلاة عندها وكذا أسطوان أبي لبابة ، وأسطوان المحرس ، وأسطوان الوفود ، وأسطوان التهجد بعد أن يسلم على فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها عند المحراب الذي في بيتها داخل المقصورة ؛ للقول بدفنها هناك كما سبق.
ومنها : أن يجتنب لمس الجدار ، وتقبيله ، والطواف به ، والصلاة إليه ، قال النووي : لا يجوز أن يطاف بقبره صلى الله تعالى عليه وسلم ، ويكره إلصاق البطن والظهر بجدار القبر ، قاله الحليمي وغيره ، قال : ويكره مسحه باليد وتقبيله ، بل الأدب أن يبعد منه كما يبعد منه لو حضر في حياته ، هذا هو الصواب ، وهو الذي قاله العلماء وأطبقوا عليه ، ومن خطر بباله أن المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته ؛ لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع وأقوال العلماء ، انتهى.
وفي الإحياء : مسّ المشاهد وتقبيلها عادة النصارى واليهود ، وقال الأقشهري : قال الزعفراني في كتابه : وضع اليد على القبر ومسّه وتقبيله من البدع التي تنكر شرعا.