وليحرص على ذلك كلما قصد المسجد ؛ ففي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه مرفوعا أن من قال ذلك في مسيره إلى المسجد وكّل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له ، ويقبل الله عليه بوجهه. ثم ليقو في قلبه شرف المدينة وأنها حوت أفضل بقاع الأرض بالإجماع ، وأن بعض العلماء قال : إن المدينة أفضل أمكنة الدنيا.
أرض مشى جبريل في عرصاتها |
|
والله شرّف أرضها وسماءها |
ومنها : أن يقدم صدقة بين يدي نجواه ، ويبدأ بالمسجد الشريف قبل أن يقدم على أمر من الأمور ، أو شيء هو إلى مباشرته في ذلك الوقت غير مضطر أو مضرور ؛ فإذا شاهد المسجد النبوي والحرم الشريف المحمدي فليستحضر أنه آت مهبط أبي الفتوح جبريل ، ومنزل أبي الغنائم ميكائيل ، والموضع الذي خصه الله بالوحي والتنزيل ، فليزدد خضوعا وخشوعا يليق بهذا المقام ، ويقتضيه هذا المحلّ الذي ترتعد دونه الأقدام ، ويجتهد في أن يوفى للمقام حقه من التعظيم والقيام.
ومنها : ما قاله القاضي فضل الدين بن النصير الغوري من أن دخول الزائر من باب جبريل أفضل أيضا ، أي لما سبق فيه عند ذكر الأبواب ، وجرت عادة القادمين من ناحية باب السلام بالدخول منه ، فإذا أراد الدخول فليفرغ قلبه ، وليصف ضميره ، ويقدم رجله اليمنى ، ويقول : أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وبنوره القديم ، من الشيطان الرجيم ، بسم الله ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ، اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك ، رب وفّقني وسددني وأصلحني وأعنّي على ما يرضيك عني ، ومنّ عليّ بحسن الأدب في هذه الحضرة الشريفة ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله تعالى وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ولا يترك ذلك كلما دخل المسجد أو خرج منه ، إلا أنه يقول عند خروجه : وافتح لي أبواب فضلك ، بدل قوله «أبواب رحمتك».
ومنها : إذا صار في المسجد فلينو الاعتكاف مدة لبثه به وإن قلّ على مذهب الشافعي ؛ ليحوز ما فيه من الفضل ، ثم ليتوجه إلى الروضة المقدسة ، وإن دخل من باب جبريل فليقصدها من خلف الحجرة الشريفة مع ملازمة الهيبة والوقار ، وملابسة الخشية والانكسار ، والخضوع والافتقار ، ثم ليقف في مصلّى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إن كان خاليا ، وإلا ففيما يلي المنبر من الروضة وإلا ففي غيرهما ، فيصلي تحية المسجد ركعتين خفيفتين ، قال الكرماني : يقرأ في الأولى بعد الفاتحة (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) وفي