ومنها : إذا دنا من حرم المدينة وشاهد أعلامها ورباها وآكامها فليستحضر وظائف الخضوع والخشوع مستبشرا بالهنا وبلوغ المنى ، وإن كان على دابة حرّكها أو بعير أوضعه تباشرا بالمدينة ، ولله در القائل :
قرب الديار يزيد شوق الواله |
|
لا سيما إن لاح نور جماله |
أو بشّر الحادي بأن لاح النّقا |
|
وبدت على بعد رءوس جباله |
فهناك عيل الصّبر من ذي صبوة |
|
وبدا الذي يخفيه من أحواله |
وليجتهد حينئذ في مزيد الصلاة والسلام ، وترديد ذلك كلما دنا من الربا والأعلام.
ولا بأس بالترجّل والمشي عند رؤية ذلك المحلّ الشريف والقرب منه ، كما يفعله بعضهم ؛ لأن وفد عبد القيس لما رأوا النبي صلىاللهعليهوسلم نزلوا عن الرواحل ، ولم ينكر عليهم ، وتعظيمه بعد الوفاة كتعظيمه في الحياة.
وقال أبو سليمان داود المالكي في الانتصار : إن ذلك يتأكد فعله لمن أمكنه من الرجال ، وإنه يستحب تواضعا لله تعالى وإجلالا لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم.
وحكى عياض في الشفاء أن أبا الفضل الجوهري لما ورد المدينة زائرا وقرب من بيوتها ترجّل باكيا منشدا :
ولمّا رأينا رسم من لم يدع لنا |
|
فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبّا |
نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة |
|
لمن بان عنه أن نلمّ به ركبا |
ومنها : إذا بلغ حرم المدينة الشريفة فليقل بعد الصلاة والتسليم : اللهم هذا حرم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الذي حرمته على لسانه ، ودعاك أن تجعل فيه من الخير والبركة مثلي ما هو في حرم البيت الحرام ، فحرمني على النار ، وآمنّي من عذابك يوم تبعث عبادك ، وارزقني من بركاته ما رزقته أولياءك وأهل طاعتك ، ووفقني لحسن الأدب وفعل الخيرات وترك المنكرات. ثم تشتغل بالصلاة والتسليم. وإن كان طريقه على ذي الحليفة فلا يجاوز المعرس حتى ينيخ به ، وهو مستحب ، كما قاله أبو بكر الخفاف في كتاب الأقسام والخصال والنووي وغيرهما.
وقال صاحب الطراز من المالكية : من آداب الزائر الغسل ، ولباس أنظف الثياب.
وقال أبو عبد الله السامري الحنبلي في باب الزيارة من المستوعب : وإذا قدم مدينة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم استحبّ له أن يغتسل لدخولها.
وقال في الإحياء : وليغتسل قبل الدخول من بئر الحرة ، وليتطيب ، وليلبس أحسن ثيابه.