أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) [الحجرات : ٣] الآية ، وذم قوما فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) الآية ، وإن حرمته ميتا كحرمته حيا ، فاستكان لها أبو جعفر ، فقال : يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله تعالى وسلم؟ فقال : لم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليهالسلام إلى الله يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به ، فيشفعك الله تعالى قال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [النساء : ٦٤] الآية.
فانظر هذا الكلام من مالك ، وما اشتمل عليه من أمر الزيارة والتوسل بالنبي صلىاللهعليهوسلم واستقباله عند الدعاء ، وحسن الأدب التام معه.
وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين السامري الحنبلي في المستوعب : باب زيارة قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وذكر آداب الزيارة ، وقال : ثم يأتي حائط القبر فيقف ناحيته ، ويجعل القبر تلقاء وجهه ، والقبلة خلف ظهره ، والمنبر عن يساره ، وذكر كيفية السلام والدعاء. منه : اللهم إنك قلت في كتابك لنبيك عليهالسلام (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ) الآية ، وإني قد أتيت نبيك مستغفرا ، فأسألك أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته ، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك صلىاللهعليهوسلم ، وذكر دعاء طويلا.
وقال أبو منصور الكرماني من الحنفية : إن كان أحد أوصاك بتبليغ التسليم تقول : السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان ، يستشفع بك إلى ربك بالرحمة والمغفرة فاشفع له.
وقال عياض : قال مالك في رواية ابن وهب : إذا سلم على النبي صلىاللهعليهوسلم ودعا يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة ، ويدنو ، ويسلم ولا يمس القبر بيده ، وفي رواية نقلها عياض عن المبسوط أنه قال : لا أرى أن يقف عند القبر يدعو ، لكن يسلم ويمضي.
قلت : وهي مخالفة أيضا لما تقدم في مناظرة المنصور لمالك ، وكذا لما نقله ابن الموار في الحج فيما جاء في الوداع ، فإنه قال : قيل لمالك : فالذي يلتزم أترى له أن يتعلق بأستار الكعبة عند الوداع؟ قال : لا ، ولكن يقف ويدعو ، قيل له : وكذلك عند قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم؟ قال : نعم ، انتهى. وحمل بعضهم رواية المبسوط على من لم يؤمن منه سوء الأدب في دعائه عند القبر.
نقل ابن يونس المالكي عن ابن حبيب في باب فرائض الحج ودخول المدينة أنه قال : ثم اقصد إذا قضيت ركعتيك إلى القبر من وجاه القبلة ، فادن منه وسلم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأثن عليه وعليك السكينة والوقار ، فإنه صلىاللهعليهوسلم يسمع ويعلم وقوفك بين يديه ، وتسلم على أبي بكر وعمر وتدعو لهما.