لأن ذلك مما لا يصح فيه النيابة عن الغير ، وإن وقعت الجعالة على الدعاء عند قبر النبي صلىاللهعليهوسلم كانت صحيحة ؛ لأن الدعاء مما يصح النيابة فيه ، والجهل بالدعاء فيه لا يبطلها ، قاله الماوردي في الحاوي.
قال السبكي : وبقي قسم ثالث لم يذكره ، وهو إبلاغ السلام ، ولا شك في جواز الإجارة والجعالة عليه كما كان عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه يفعل ، وأن الظاهر أن مراد المالكية هذا ، وإلا فمجرد الوقوف من الأجير لا يحصل للمستأجر غرضا ، انتهى.
وذكر الديلمي في التقفية : أن حاصل ما في مسألة الاستئجار للزيارة ثلاثة أوجه للأصحاب : أصحها فيما حكاه ابن سراقة في مختصره جواز ذلك ، واختاروه الإمام محمد بن أبي بكر الأصبحي صاحب الإيضاح والمفتاح وأفتى به ، والثاني لا يجوز ، وبه قطع الماوردي ، قال : لأنه عمل غير مضبوط ، والثالث وبه قال الإمام عليّ بن قاسم الحكمي ، واختاره صاحب الأصبحي أنه يا بني على ما إذا حلف لا يكلم فلانا فكاتبه أو راسله ، والصحيح عند الأكثرين أنه لا يحنث ، فلا يصح الاستئجار ، وإن قلنا يحنث صح الاستئجار.
قلت : وهذا البناء ضعيف ؛ لأن مبنى الأيمان على العرف ، وأما ذلك فقربة مقصودة كما أن المكاتبة والمراسلة يحصل بهما التودد والصّلة ، وإن لم يسم كلاما ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الفصل الثالث
في توسّل الزائر ،وتشفعه به صلى الله تعالى عليه وسلم إلى ربه تعالى ، واستقباله صلىاللهعليهوسلم في سلامه وتوسله ودعائه.
اعلم أن الاستغاثة والتشفع بالنبي صلىاللهعليهوسلم وبجاهه وبركته إلى ربه تعالى من فعل الأنبياء والمرسلين ، وسير السلف الصالحين ، واقع في كل حال ، قبل خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم وبعد خلقه ، في حياته الدنيوية ومدة البرزخ وعرصات القيامة.
الحال الأول : ورد فيه آثار عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، ولنقتصر على ما رواه جماعة منهم الحاكم وصحح إسناده عن عمر بن الخطاب رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي ، فقال الله : يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال : يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحبّ الخلق إليك ، فقال الله