لا تنكر ولم تعرف
بعد ، ذلك أنّ أفضلهم كانوا علماء بحّاثين اشتغلوا في زمن كان البحث التاريخي
والفيلولوجي في أوروبا له مقام رفيع ، فيما بين ١٨٦٠ و ١٩٦٠. أمّا الجوّ عندنا منذ
خمسين سنة مضت ، فليس مستعدا لتقبّل المجهود العلمي ، لا في التاريخ ولا في
الفيزياء ولا في الكيمياء ولا في السوسيولوجيا ، والهمّة العلمية واحدة كما هو
بديهي. ولذا فقد يعتبر القارئ أنّ هذا العمل دقيق ومملّ ، وهو فعلا ليس مجعولا
للترفيه بل لاستكشاف حقائق موجّهة إلى الرابطة العلمية العالمية. بقي أنّ المفترض
أنّ تاريخ رقعة محدّدة زمنيا وفضائيا يهتمّ به قبل كلّ أحد أبناء هذه الرّقعة من
العلماء والمثقفين لأنه يمسّهم عن قرب ، ولأن التاريخ ليس كالكيمياء المحايدة
والمتجهة نحو الطبيعة الجامدة ، إنما لا يكون علما إلّا بالمنهجية والصرامة
والدقّة.
كلمة نهائية الآن
عن مفهوم «الغرب الإسلامي». بالنسبة للمؤرّخين الأوائل ، الغرب الإسلامي يبتدئ من
مصر ويحويها ، وهو يناقض مفهوم الشرق الذي يبتدئ من خراسان ويتجه صوب بلاد ما وراء
النّهر الشاسعة إلى تخوم الصين. أمّا القلب فمن الواضح أنه كان يضمّ الجزيرة
العربية والشام والعراق حيث انطلقت الدعوة وتركزت الخلافة الأولى والثانية
والثالثة. وهكذا أقحمت مصر في دراستي للمصادر المكتوبة ، كما أقحمت إفريقية
الإسلامية جنوب الصحراء التي تأسلمت قبل العصر الحديث كما هو معروف.
إن كلّ هذا الفضاء
الشاسع الإفريقي يمثّل إذن الغرب الإسلامي ، وإن إسبانيا إلّا في الواقع الجغرافي
والمناخي ليست إلّا جزءا من إفريقية. وهو أيضا في بعض أقسامه وقبل دخوله في بوتقة
الإسلام ، كان في أخذ وردّ بين الشمال والجنوب ، بين المتوسّط والصحراء ، وله
تاريخ عريق يرجع إلى خمسة آلاف سنة في مصر ، وإلى ثلاثة آلاف في المغرب. لكنّ
الغزو العربي والإسلام طبعا هذه الرّقعة بطابع قوي ودائم ، ولم يكن ذلك ممكنا لو
لا مؤسّسات قويّة خلقت تقليدا سياسيا متماسكا على مرّ القرون