حسّان والكاهنة
وخضوع إفريقية (٧٦ ـ ٨٤ ه)
بقيت غارة زهير
إذن دون غد ، ولم يستفد منها سوى البيزنطيين ، هذا خارج كل اعتبار سبّبته للفتح في
المدى الطويل. ولكن ، وبعد سنة ٧٣ ه ، تاريخ القضاء على الحركة الزبيرية ، توحّد
الإسلام ثانية تحت لواء المروانيّين فأصبح قادرا على تحمّل استئناف التوسع. وعزم عبد
الملك بن مروان في حدود ٧٥ ه ، على حلّ مشكل إفريقية نهائيا ، وعلى تقديم ما يلزم
عسكريا لهذا الشأن ، ولهذا كلّف حسّان بن النّعمان وهو من أشراف السوريين من أصل
غسّاني ، الذي استفاد من الخزينة المصرية ، فعبّأ معه ٠٠٠ ، ٤٠ رجل مكوّنا بذلك
أعظم جيش دخل إلى إفريقية إلى حدّ ذلك الوقت (٧٦ / ٦٩٥) ، وكان هاجسه الأول مهاجمة
القوة البيزنطية التي تشكّلت جزئيا من جديد ، والتي يمكن أن تكون الأكثر خطرا. ولم
يكن لهذا التجديد مثيل في تاريخ الفتح باستثناء محاولة أبي المهاجر المشكوك فيها
وغير المثمرة سنة ٥٩ ه. هاجم حسّان مباشرة قرطاج ، عاصمة ولاية إفريقية الرومانية
التي حاصرها سنة ٧٦ / ٦٩٥ ، وبعد أن ألحق الهزيمة بالحامية المعادية ، دخل على
الأرجح المدينة بمقتضى اتفاق صلح.
لقد فرّ الموظّفون
البيزنطيّون ، وأعضاء الإدارة العليا والأرستقراطية إلى صقلية وإسبانيا ، وتفرّق
الذين بقوا في الأرياف المجاورة ، غير أنهم وبمجرّد انصراف حسّان عادوا إلى
المدينة وحصّنوها ، فعاد القائد العربي على عقبيه ، وبعد أن حاصرها حصارا عنيفا ،
دخل العاصمة بقوّة وحرّق وقتل ، وقوّض علاوة على ذلك أسوارها وحصونها. هذا ما
ترويه لنا المصادر فيما يتعلّق بالاستيلاء الأوّل على قرطاج ؛ ومن غير المفيد
التأكيد على احترازاتنا على التفاصيل التي تتوفر عليها كتب الأخبار.
لقد واصلت ، مع
ذلك ، بقايا الجيش البيزنطي المدعوم بالبربر المعركة في منطقة سطفورة (سهل ماطر)
وحول بنزرت. وتحوّل حسان للقائهم وفرّقهم ؛ فتراجع البيزنطيون إلى فاقا (باجة) ،
بينما فرّ حلفاؤهم