قائمة الکتاب
III ـ الحياة الاقتصادية والاجتماعية في إفريقية العربية القرن الثاني هجري
١٣٣
إعدادات
تأسيس الغرب الإسلامي
تأسيس الغرب الإسلامي
تحمیل
إلّا أنه وفي الوقت الذي عاشت فيه إفريقية إدخال المشارقة للمشروع الأدبي العربي بطريقة سلبية ، كانت تردّ الفعل على المحتوى الديني الإسلامي بإدماجه في البعد الإفريقي البربري ، بشكل يجعل من الممكن التحدّث عن مدرسة إفريقية روحية.
في هذا المجال ، مثّلت القيروان المركز المشعّ كما هو مترقّب. ومثلما تصف لنا ذلك كتب الطّبقات ، وبتوخّي أكثر ما يمكن من التحفّظ فيما يتعلق بالإسقاطات التي تستعيد أحداث الماضي ، برزت تيارات التقوى والورع في زمن الولاة موسومة بنوع من الإقليمية الريفية القائمة على السذاجة الفكرية والحرارة اليقينية للمعتقد. من وجهة نظر تكوّن القضاء والحديث ، لم يكن الأمر إلّا زهيدا لأنّه لم يوجد مجهود ذهني يستحق الذكر ، وإنما وجد بحث سلبي في الأحكام الشرقية وأساسا أحكام مالك أو سفيان الثوري وأيضا أبي حنيفة ، وبهذا أمكن لإفريقيين الانزلاق في الأسانيد الصحيحة فاختلقوا ـ على حدّ تعبير حتى أصحاب المناقب ـ الكثير من الأحاديث التي يطغى عليها في أغلب الأحيان الكثير من السّذاجة (١). على المستوى اللاهوتي ، تواجهنا في إفريقية أهم الاتجاهات الإسلامية لذلك العصر : مرجئة ، قدرية ، ومعتزلة ، غير أن جميعها كان مخنوقا بسيطرة الاتجاه الأورثوذكسي البحت.
حسب رأينا ، كان الشعور الديني في حد ذاته أكثر أهمية من التفكير الدّيني ، لذلك يحق أن يحظى بالتعاطف والاهتمام ، خاصة وأن التوجه اللائيكي للاستشراق شوّه قيمة هذا النوع من التديّن وأفقده معناه ، وهو ما مكّنه من التحدث عن قيروان «متدين» مع كل ما لهذه الكلمة من تحقير ورياء.
في الحقيقة إن المقصود بالتديّن هو التوجه لعظمة الله المتشبّعة بالورع في معناها العميق ، وهنا نجد العقلية البربرية الساذجة والعاجزة عن السخرية أو الليونة ، وهي لذلك متصلبة وعنيفة طبعا ، غير أنها متفردة في
__________________
(١) رياض ، أورد ابن سعد ترجمة خالد بن علي عمران لوحده ، طبقات ، ج ٨ ، ص ٥٢١.