مستوى نشاطها تقريبا ، وأخيرا جاءت الإنشاءات الجديدة لتبرز رغبة الفاتحين في القطع مع الماضي ، ووضع بصماتهم على البلاد ، وهذه هي حالة القيروان ، وبصفة أقل تونس عموما. إنّ الحفاظ على شبكة المدن القديمة وتواصلها ، يشهد على النزعة الحضرية للبلاد ، هذه النزعة التي وقع تدعيمها بمجيء العرب.
لقد وقع تقريبا من دون شك ، إخلاء النواة الضخمة القديمة ، أو حتى نهبها وتدميرها ، لتعوض بنواة عربية تقوم على المسجد الجامع والسوق المركزية ؛ غير أنه ليست لدينا المعلومات الأثرية الكافية لنتمثّل التحولات الداخلية التي عرفتها المدن أو لتقدير القوى المحافظة عليها والمجهود التجديدي فيها. في المقابل ، نعرف أكثر قليلا عن القيروان وتونس بوصفهما مصرين عربيين.
في الحالة الأولى والثانية ، وبالنسبة إلى اختيار الموضع والموقع قامت الإرادة البشرية بدور أكبر بكثير من الحتمية الجغرافية التي كانت بالتأكيد غير ملائمة. فيما يتعلق بالقيروان التي وقع اتخاذها معسكرا مؤقتا في شكل مخيمات سريعة الرّفع عند قيام الغارات منذ عهد معاوية بن حديج. ويعود إلى عقبة انطلاقا من سنة ٥٠ ه فضل القيام بعملية التمصير واستقرار الجنود بعائلاتهم في المساكن ، وكذلك التخطيط أو تحديد النّواة العمرانية والخطط الجماعية للقبائل. لقد عرفت المدينة ـ المعسكر هجرة سكانها لصالح منافستها تكروان بين ٥٥ و ٦٢ ه ، ثم في ٦٢ ه ، عاد العرب للاستقرار بها. لا يبدو أن فترة كسيلة قد ألحقت بالقيروان ضررا ما ، لأنّ القائد البربري عند استقراره بها ، أبقى العرب أو البعض منهم فيها.
إنّ الانطلاق الحقيقي لهذه المدينة وقع مع حسّان ، لما فرغ من أمر الفتح ، حيث بنيت وبرز وجهها الحقيقي ، فحسّان أعاد بناء المسجد الجامع وقصر الوالي أساسا. ومنذ ذلك الحين أصبح تاريخ القيروان في تطوّر متواصل أعاقته موجات العنف الخارجية بعض الشيء. وفي عهد