السماء فغب العقار بطن من مهرة فالخيرج (١) فالأسعاء ، وفي المنتصف من هذا الساحل شرقا بين عمان وعدن ريسوت (٢) ، وهو موئل كالقلعة بل قلعة مبنية بنيانا على جبل ، والبحر محيط بها إلا من جانب واحد فالبر ، فمن أراد عدن فطريقه عليها فإن أراد أن يدخل دخل وإن أراد جاز الطريق ولم يلو عليها. وبين الطريق الذي يفرق إليها والطريق المسلوك إلى عمان مقدار ميل ، وبها سكن من الأزد من بني جديد (٣) وقد كان قوم من القمر في أول عصرنا بيّتوا من بها ليلا فقتلوا ، فممن قتل بها رجل يقال له : عمرو بن يوسف الجديدي من رؤوس أهلها أزدي ، والذين أبلوا ذاك من القمر بنو خنزريت وأخرجوا من بقي من أهلها منها فتفرقوا إلى بلاد الغيث من مهرة فسكنوا موضعا يقال له حاسك ومرباط (٤) مدة ثم أعانتهم الثّغرا من مهرة حتى رجعوا إلى قلعتهم ، فلما دخلوا القلعة بعون الثّغرا خافت بنو خنزريت فخرجوا إلى البلدان وخرج رئيسهم محمد بن خالد بجماعة من بني خنزريت حتى دخلوا موضعا يقال له
__________________
(١) غب ـ بضم الغين المعجمة ـ وإليها تنسب الثياب الغبية : والخيس بكسر الخاء المعجمة وفتحها وهو ما يسمى اليوم غب الخيص بالصاد المهملة وهو المنطقة الواقعة بين رأس بروم ورأس المكلا ، ولهذا يطلق على المكلا رأس الخيصة ، وغب القمر : هو ما يسمى اليوم غبة قمر. حدثني بهذا صديقنا عبد الله بامطرف من المكلا ببندر عدن ، والعقار بفتح العين المهملة وتشديد القاف وراء ، والخيرج معروف ـ راجع الاكليل ج ١ ـ ١٨٩ ، ١٩١.
(٢) ريسوت ، بفتح الراء وسكون الياء المثناة من تحت ثم ضم السين المهملة ثم تاء مثناة من فوق : هي اليوم لابسة ثوب العزاء على ماضيها الزاهر متشعثة ليس فيها ما يلفت المسافر ، ذكرها صاحب كتاب «الطواف حول بحر أريتريا» لمؤرخ يوناني في القرن الأول للميلاد ، وكان لها شأن عظيم في ذلك التاريخ كما كانت محط أنظار الغزاة البرتغاليين في أواسط القرن العاشر الهجري ، وورد ذكرها في الحملة التي جهزها الملك المظفر الغساني الى ظفار الحبوضي سنة ٦٧٨ ثمان وسبعين وستمائة للهجرة.
(٣) جديد تصغير جد أبو قبيلة من الأزد وهو جديد بن حاصر بن أسد بن عائذ بن مالك بن عمرو بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن الأسد ، ومن رجالهم مسعود بن عبد الله بن عبدي الذي يقال له قمر العراق ، وهو الذي أجار عبيد الله بن زياد أيام الفتنة وهو أخو المهلب لأمه ، ومن رجالهم جديع بن شبيب المشهور بالكرماني رأس الأزد أيام العصبية بخراسان وله أخبار مأثورة مذكورة في التواريخ «الاشتقاق ـ ٥٠١» و «اللباب ج ١ ـ ٢٤١» وذكر هذه القبيلة المؤلف في ما يأتي.
(٤) حاسك بالحاء والسين المهملتين كذا في الأصول كلها وكذا في تاريخ الدولة الكثيرية ـ ١٩» وكذا في كتاب النسبة قال : قرية شرقي ظفار وبها قبر نبي من الأنبياء من أولاد النبي هود عليهالسلام. وكذا في تاريخ الأهدل وضبطه بالمهملات وقال : انه من وراء ظفار الى جهة عمان بينه وبين عمان مرحلتان وفيه قبر مشهور يسافر إليه أهل ظفار وغيرهم لزيارته ، وفي «معجم البلدان» : جاسك بالجيم وبقية الحروف كالاول : جزيرة بين جزيرة كيش وعمان قبالة مدينة هرمز بينها وبين كيش ثلاثة أيام ولعل ما في ياقوت تصحيف او هو غير ما جاء هنا ، ومرباط كمحراب فرضة ظفار الحبوضي بينها وبين عمان مقدار خمسة فراسخ وهي مدينة مفردة أهلها عرب زيهم زي العرب القديم «معجم البلدان». ولا زالت عامرة الى عهدنا هذا.