من جزء بلدي ، وفرق عملي ، وصقع سلطانيّ ، وجانب فلوي ، وحيّز بدوي (١) ، ليكون من نظر في هذا الكتاب كأنه مكان ذي القرنين مساح الأرض ، وتميم الداري جواب عامرها ، وخرّيت سامرها (٢) ومشارف أقصاها وأدناها ليعرف وسيع أرض ربه وكثرة خلقه ، وسعة رزقه لا اله إلا الله العزيز الحكيم.
باب ما جاء عن ابن عباس رحمهالله تعالى في ذكر جزيرة العرب : أما حديث عبد الله بن عباس في جزيرة العرب فانه ما نقل لنا عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس من وجه وعن معاوية بن عميرة بن مخوس الكندي (٣) أنه سمع عبد الله بن عباس بن عبد المطلب وسأله رجل عن ولد نزار بن معد قال : هم أربعة مضر وربيعة وإياد وانمار ، فكثر أولاد معد بن عدنان بن أدد ونموا وتلاحقوا ومنازلهم مكة وما والاها من تهامة وانتشروا فيما يليهم من البلاد وتنافسوا في المنازل والمحال ، وأرض العرب يومئذ خاوية وليس فيها بتهامتها ونجدها وحجازها وعروضها كثير أحد لإخراب بخت نصرّ (٤) ايهّا وإجلاء أهلها إلا من كان اعتصم منهم برؤوس الجبال وشعابها ولحق بالمواضع التي لا يقدر عليه فيها أحد متنكبا لمسالك جنوده ومستنّ خيوله (٥) فارّا اليها منهم ، فاقتسموا الغور غور تهامة بينهم على سبعة اقسام لكل قسم ما يليه من ظواهر الحجاز ونجد وتهائم اليمن لمنازلهم ومحالهم ومسارح انعامهم ومواشيهم ، وبلاد العرب كلها يومئذ على خمسة أقسام في جزيرة مطيفة ـ اي مديرة ، وطوف الجبل دوره ومنه الطواف حول الكعبة وطوائف من الناس فرق من أطراف الناس ، ويروي مطيقة من الطوق وهو ما دار بالعنق من هجار فضة وغيره ـ وهي جزيرة العرب التي صارت في
__________________
(١) الفلوي نسبة الى الفلاة ، والحيز الجانب ، وبدوي نسبة الى البداوة.
(٢) الخريت : صفة مبالغة وهو الدليل الماهر. وسامر الأرض عافيها وخرابها ، ويأتي تفسيره للمؤلف ، وذو القرنين العربي مشهور راجع الاكليل ج ٢ ـ ٧١ ، وشرح النشوانية ، وتميم هو ابن أوس الداري اللخمي ينسب الى الدار بطن من لخم القبيلة المشهورة وهو صحابي جليل ، وكان ممن ساح في الأرض وبلغ سد ياجوج وماجوج ووصفه للنبي (صلىاللهعليهوسلم) وللمقريزي كتاب «ضوء الساري في سيرة تميم الداري».
(٣) ابن عباس أشهر من أن يترجم له ، ومحمد بن السائب الكلبي إمام مترجم له في غالب كتب التاريخ.
(٤) بخت نصر بضم الموحدة وتشديد المثناة من فوق وتشديد الصاد المهملة : ملك كلداني ظهر سنة ٦٠٤ ـ ٥٦١ ، قبل الميلاد المسيحي ؛ أغار بحملاته على مصر وفتح بيت المقدس وأحرقها وأجلى أهلها الى بابل «مروج الذهب» وغيره.
(٥) المتنكب المجانب عن الطريق ، واستنان الخليل رياضتها وأن ترفع يديها وتطرحها وتعجن برجليها ، والمستن موضع الاستنان.