حجارة الحرة خشنة وعثة متعاضة يصعب المسلك فيها.
ذكر ما أتى من الشعر جامعا لكثير من مساكن العرب ومسالكها مما تناهى الينا وسمعناه ، وذلك قليل من كثير مما يعلمه العرب لأنه في خصائص من المواضع ، فاما ما أتي من الشعر على الإفراد في أجزاء هذه الجزيرة ، والعموم بها فما لا يحيط به أحد ولا يقدر على جمعه واستيعابه ، لأن كل شاعر قد ذكر من مواضع الدّمن والأطلال ومواقع الغيث ومنابت الكلأ ما لم يذكره غيره إلا الخطاء ، فمن ذلك قول الأخنس بن شهاب التغلبي (١) يذكر بعض منازل العرب من هذه الجزيرة :
لكل أماس من معد عمارة |
|
عروض اليها يلجؤون وجانب |
لكيز لها البحران والسيف كله |
|
وإن يأتها بأس من الهند كارب |
السيف ضفة البحرين ، ولكيز بن أفصى بن عبد القيس ، ويريد بالهند هاهنا السند ، ويقال البصرة ، وكان صقعها تسميّه العرب قديما بهذا الاسم.
يطير وأعلى أعجاز حوش كأنها |
|
جهام هراق ماءه فهو آثب |
وبكر لها أرض العراق وإن تشأ |
|
يحل دونها من اليمامة حاجب |
وصارت تميم بين قفّ ورملة |
|
لها من حبال منتأى ومذاهب |
وكلب لها خبت فرملة عالج |
|
إلى الحرة الرجلاء حيث تحارب |
سميت الحرة الرجلاء لأنها ترجل سالكها ولا يقدر فيها على الركوب والحجاز كثير الحرار والحرة هي اللّوبة والجمع لوب قال سلامة بن جندل (٢) :
حتّى تركنا وما تلوي ظعائننا |
|
يأخذن بين سواد الخطّ واللّوب |
وهي لابة والجمع لاب وقد قيل تلو إن الحجاز سمي حجازا لكثرة الحرار فيه واحتجاز أهلها من العدو بها ولذلك قال النابغة وذكر امتناعه بحرة النار :
إما عصيت فإني غير منقلب |
|
من اللّصاب بجنبي حرّة النّار |
__________________
(١): «معجم ما استعجم» : ٨٦ و «شرح المفضليات» : ٤١٤ و «معجم البلدان» : قضة.
(٢) في الأصول : (ابو سلامة بن حبيب) وانظر شرح المفضليات ٢٢٤ و «معجم ما استعجم» ٥٠٣.