والقرى المتاخمة بهدوء فلا يسمع عنها أخبار أو حوادث النهب والغزو كما كانت على عهد الأمراء السابقين الذين عاثوا في الأرض فسادا ، ولم تسلم الحواضر المهمة مثل دمشق وحلب من أذاهم ، وكذلك المدن الأخرى الخاضعة للسلطان.
لقد أسهبت في الكلام عن هذا الأمير ولا بد أن أضيف بأنه يلقب باسم «أبو ريش» وهذا هو لقب أسرته القديم ... ويدعي أن نسبه يتصل بسيدنا نوح ولو صح هذا الادعاء الذي لم أقتنع به شخصيا فلا ريب أن عشائر البادية رغم خشونة حياتها هي أشرف شعوب الأرض قاطبة.
من المؤكد ـ حسب رأيي ـ أنه : إذا كانت هناك أمة لها حق الادعاء بالقدم وبشرف الأصل عبر الأجيال فهي الأمة العربية ، فالعرب يعشقون الحياة الحرة في الصحارى رغم خشونتها ، ولا تطيب لهم حياة المدن ، إذ يرفضون الخضوع للغريب وهم منذ أقدم العصور لم يختلطوا ولم يتصاهروا مع الغرباء أبدا بل يتزوجون من بعضهم فحافظوا بذلك على نقاء دمائهم.
طبيب الأمير
يعيش عند الأمير فياض رجل مسيحي اسكتلندي الأصل يدعى «جورج ستراكان» وهو رجل علم وأدب كان سابقا في حلب فانتقل منها وقصد الأمير فياض رغبة منه في إتقان اللغة العربية ، وأخذ يمارس عنده مهنة الطب مع أنه لم يكن طبيبا بل أخذ شيئا من هذا العلم عن طبيب فلمنكي في حلب كانت تربط بينهما صداقة فتعلم بعض الوصفات الطبية ولأنه رجل علم ومحب للمطالعة كان يمارس هذه المهنة بشكل مرض بين ذلك الشعب البسيط. وقد ساعده حسن الطالع حين وصوله إلى خدمة الأمير إذ شفاه من انحراف طرأ على صحته فاكتسب بذلك ثقته التامة وأصبح صاحب نفوذ لديه وحصل على ثروة طائلة. ثم اكتسب ثقة زوجة الأمير لأنه كان يمنع الأمير من الاقتران بنساء أخريات بحجة أنه سيضر بصحته. ولقد طبقت شهرته البادية كلها ونال احترام القوم وإعجابهم ، وقد تحققت بنفسي من احترام الأمير له فقبل مدة