بالسفر إلى هناك
فكرت في أول الأمر أن أسافر متسترا ضمن قافلة تركب الفرات في قوارب في موضع يبعد
عن حلب مقدار أربعة أيام ، عند بلدة تدعى «البيرة» التي تعني بالعربية «البئر» وهي المذكورة في كتب الجغرافية
باسم «بيرته السورية». ففاتحت بهذا الموضوع تاجرا نصرانيا اسمه على ما أتذكر يعقوب
الطويل ولا يخطر ببالي أكان سوريا أم أرمنيا ووعدته بهدية مقابل ذلك. وليكن عمله
هذا ردّا للجميل للقنصل البندقي الذي كثيرا ما ساعده في أموره الخاصة. فوعدنا
الرجل خيرا ، قائلا إنه سيجازف في هذا العمل فيأخذني مع رفاقي الثلاثة معتبرا
إيانا ضمن أتباعه ورجال قافلته ، لأن من عادته أن يصطحب رجالا كثيرين نظرا لتجارته
الواسعة ، وما أكثر ما اصطحب في السابق من الإفرنج. وعند ما كنا على وشك الرحيل
فكر بالأمر مليا فأخلف وعده زاعما أنه لا يليق به كرجل شريف أن يقوم بعمل كهذا ضد
النظام ... وهكذا تركنا ورحل ؛ وكان علينا ان نتذرع بالصبر.
بعد مرور شهر
واتتنا فرصة أخرى بوجود قافلة متجهة إلى بلاد العرب في الطريق البري الذي يقطع
البادية مباشرة ولا يكاد يمر بمكان مأهول.
فلما تناهى إليّ
هذا الخبر وحاولت التحقق منه فسألت هنا وهناك خاصة لدى السيد قنصل البندقية واتفقت
مع أحد رجال الكمرك بعد أن نفحته بهدية جيدة ، وأنت تعلم يا سيدي : «أن الهبات تطيب للبشر
وللألهة على السواء» حسب تعبير «أوفيد» فوعدني الرجل مقابل ذلك أن يخرجني من حلب دون أن يثير
الشبهة بل ذهب أبعد من ذلك إذ زودني بكتاب من عنده يمكن أن نطلق عليه اسم جواز سفر
، اعتبرني بموجبه أحد رجاله فجنبني بذلك مختلف المضايقات التي كان من المحتمل أن
تصيبني في الطريق. وبعد هذه البداية
__________________