وسط الحلقة وعدنا
إلى الجلوس في مواضعنا. فوضعوا أمامه منارة عليها سراج ، فقام للصلاة أولا ، وبعد
انتهائه من تأديتها شرع بقراءة بعض الرسائل ثم وقّع عليها ، وأصدر أوامره
وتعليماته في مختلف الأمور ، ومن بين الرسائل كانت تلك التي حملها محمود آغا وكان
لا يزال هناك وقد طلب الإذن للانصراف.
بعد أن انتهى من
كل ذلك نهضت فقدمت له رسالة الباشا ، فسألني الشيخ ان كنت إفرنجيا فأجبت نعم ، ثم
شرح رئيس الجمالين سبب قدومي وأبديت رأيي متكلما العربية ، فطلب ان يرى قبعتي من
قريب فوضعها أمامه.
ولما علم بأني
أفهم العربية ، أخذ يعتذر عما بدر من رجاله ، لكنه أضاف أنه بحاجة ماسة إلى
البندقيات للحرب ، وقد أعجب جدا بالعمامة وطاقة القماش ولذا فإنه سيدفع ثمنها ،
فقلت : إني لا أهتم بذلك ، وأقدمهما لك هدية. ثم أمر بإحضار العمامة فنظر إليها
مليا وأخذ يقبلها مظهرا أعجابه بها ، بينما كنت أقول له بأنها مستعملة وقد تعممت
بها مرات عديدة عندما كنت في بلاد فارس ، لكنه لم يصغ إليّ بل ولج إلى داخل الخيمة
حيث كانت النساء يطحنّ القمح بمجارش يدوية لصنع الخبز ... وظهر بعد قليل وقد وضع
العمامة على رأسه ، وإذ كان منظره جديدا على الحاضرين فقد أخذوا يصرخون مستحسنين
ومرددين بصوت واحد : مبارك مبارك!.
وبعد أن جلس وضعوا
أمامه إناء عميقا من النحاس فيه عنب وماء ، فدعانا للاقتراب منه ، وأخذ يقدم العنب
للجميع. كان العنب أخضر اللون ، حلو المذاق وهو من بواكير الموسم الجديد. وبعد أن
تناولنا العنب رجعنا إلى أماكننا وجلسنا بعض الوقت ثم استأذنت الشيخ ورجعت مع
محمود آغا إلى القافلة ، بينما بقي المكاري وكاتب محمود آغا هناك نزولا عند رغبة
الشيخ إذ قال انه سيرسل يوم الغد أوامره معهما بما يخص القبوجي ، وكذلك مشكلتي.
في
الأول من تموز عاد سائس الجمال ليقول لي بأن الشيخ تنازل عن أخذ السيف والخنجر ، وأرسل تسعة
وعشرين قرشا كتعويض عن العمامة وطاقة القماش ، وادعى بأنه أنفق خمسة قروش منها :
قدم قرشين لمساعد الشيخ ، وثلاثة لأمور أخرى لم يفصح عنها ، فسلمني أربعة وعشرين
قرشا لا تساوي ـ