فلما دفن حسن بن علي بالبقيع أرسل مروان
بريداً آخر يخبره بما كان من ذلك وقيامه ببني امية ومواليهم ؛ وإني يا أمير
المؤمنين عقدت لواءً وتلبسنا السلاح ، وأحضرت معي ممن اتبعني ألفي رجل ، فلم يزل
الله بمنه وفضله يدرأ ذلك أن يكون مع أبي بكر وعمر ثالثاً أبداً ، حيث لم يكن أمير
المؤمنين عثمان المظلوم رحمهالله
، وكانوا هم الذين فعلوا بعثمان ما فعلوا.
فكتب معاوية إلى مروان يشكر له ما صنع
واستعمله على المدينة ونزع سعيد بن العاص.
وكتب إلى مروان : إذا جاءك كتابي هذا
فلا تدع لسعيد بن العاص قليلاً ولا كثيراً إلا قبضته!.
فلما جاء الكتاب إلى مروان بعث به مع
ابنه عبدالملك إلى سعيد يخبره بكتاب أمير المؤمنين ، فلما قرأه سعيد بن العاص صاح
بجارية له : هات كتابي أمير المؤمنين ، فطلعت عليه بكتابي أمير المؤمنين فقال لعبد
الملك : اقرأهما ، فإذا فيهما كتاب من معاوية إلى سعيد بن العاص يأمره حين عزل
مروان بقبض أموال مروان التي بذي المروة والتي بالسويداء والتي بذي خشب ولا يدع له
عذقاً واحداً ، فقال : اخبر أباك فجزّاه عبدالملك خيراً ، فقال سعيد : والله لولا
أنك جئتني بهذا الكتاب ما ذكرت مما ترى حرفاً واحداً.
قال : فجاء عبدالملك بالخبر إلى أبيه
فقال : هو كان أوصل منا إليه.
١٨٤
ـ قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني
أبوبكر بن عبدالله بن أبي سبرة ، عن صالح بن كيسان ، قال : كان سعيد بن العاص
رجلاً حليماً وقوراً ، ولقد كانت المأمومة التي أصابت رأسه يوم الدار قد كاد أن
يخف منها بعض الخفة وهو على ذلك من أوقر الرجال وأحلمه.
وكان مروان رجلاً حديداً ، حديد اللسان
سريع الجواب ذلق اللسان قل ما صبر أن يكون في صدره شيء من حب أحد أو بغضه إلا ذكره.
وكان في سعيد خلاف ذلك ، كان من أحبّ
صبر عن ذكر ذلك له ، ومن أبغض فمثل ذلك ، ويقول : إن الامور تغيّر والقلوب تغيّر ،
فلا ينبغي للمرء