المسكن الذي كان يقيم فيه المستر ريچ الذي كان منقسما إلى عدة أقسام ، يكون لكل منها ممرها الخاص للصعود والنزول ، بحيث يتكون منها في الحقيقة عدد من الغرف غير المسقفة ، كان بوسعنا أن نشرف عند انبلاج الصبح على منظر من مناظر بغداد يشبه منظر مدريد الموصوف في «لاديابل بواتو» حين يرينا أسر البيوت المحيطة بنا جميعها في مخادعها المكشوفة ، وهي في حالات على جانب غير يسير من الطرافة في بعض الأحيان. فقد كانت تنكشف لنا من هذا الموقع المنيف ثمانية أو عشرة مخادع مختلفة تقع في عدة محلات محيطة بنا. ونظرا لأن الأسر جميعها كانت تنام في العراء خلال الصيف بطبيعة الحال كانت تنكشف أمام أنظارنا مناظر بيتية خصوصية كثيرة من دون أن يكتشف أحد ولو مرة واحدة ، أو يشك ، بكوننا كنا نتطلع إليه. فقد كان الزوج في الأسرة الموسرة ينام على سرير مرتفع تفرش فوقه حشية ووسائد من الحرير ، مغطاة بلحاف سميك من القطن من دون أن تحاط بستائر أو كلة تقي النائم من البعوض. كما كانت الزوجة تنام على فرشة مماثلة ولكن على الأرض بصورة دائمة ـ أي من دون سرير ، وعلى مسافة من زوجها ـ بينما كان الأطفال ، الذين يصل عددهم إلى الثلاثة أو الأربعة ، يشغلون فرشة واحدة. أما الخدم أو المماليك فقد كان كل منهم ينام على حصيرة منفردة تفرش على الأرض ، لكن الجميع كانوا ينامون أو ينهضون من الفراش على مرأى من بعضهم بعض. وكان كل فرد ينهض من نومه في ساعة مبكرة بحيث لا يبقى أحد في الفراش بعد طلوع الشمس ، فيطوي فراشه وغطاءه ووساداته لتؤخذ إلى الدار عدا الأطفال الذين كان يتولى هذا العمل عنهم أمهم أو أحد الخدم.
«ولم يكن أي من هؤلاء يخلع ملابسه كما يفعل الأورپيون عامة حينما يذهبون إلى الفراش. فقد كان الرجال يحتفظون بقمصانهم ولبساهم ، وقفاطينهم أحيانا ، عند النوم. وكانت الأطفال والخدم ينامون بالملابس ذاتها التي كانوا يلبسونها أثناء النهار. أما الأمهات والبنات الكبيرات فقد كن يلبسن سراويل الأتراك الحريرية الكاملة مع الرداء المفتوح ولفات الرأس إذا كن من الأسر الغنية. وكانت الفقيرات منهن يلبسن جلبابا (دشداشة) فضفاضا أحمر