وقد تبين بعد الاستفسار والتحقيق أن الشيخ الذي فجع بابنته كان له ذات يوم ابن قتله في معركة سابقة «پهلوان» ينتمي إلى القبيلة الأخرى. فكانت هذه حادثة تستوجب كل ما تقتضيه الضغينة والثأر من خلاف. وبعد مدة قصيرة دخل رجل غريب إلى المخيم فقوبل بالترحيب الاعتيادي الذي تقتضيه واجبات الضيافة عند العرب. وكان من سوء الحظ أن يتعرف أحد رجال القبيلة عليه. ويكتشف أنه نفس «الپهلوان» الذي كان قد قتل ابن الشيخ. فما الذي كان يجب أن يصنع؟ فقد كان الرجل ضيفا على القبيلة ، وكانت جميع قواعد الضيافة تقتضي بالنسبة لعرف العرب أن لا يمس بسوء. وكان الشيخ نفسه غائبا في مكان آخر ، وبينما كان حسن النية والرأفة يسودان المجتمعين دخلت البنت الشابة موضوعة البحث وراحت تعنف الرجال وتعيّرهم بالجبن والتباطؤ في ثأر شيخهم. ثم قالت «فهل تريدون أن يكون قاتل ابن شيخكم بين أيديكم فيفلت منها؟ إن هذا يجب أن لا يقال مطلقا ، اقتلوه في الحال أو تخلوا عن اسم الرجال!» على أن الإحجام مع كل ذلك بقي مستحوذا على أيدي الرجال وأسلحتهم فمنعها عن التجاوز على قواعد الضيافة والمضيف بمثل هذه الصراحة ، برغم الحنق الذي يغلي في صدورهم. وعند ذاك أمسكت البنت ، وهي منفعلة لوجود قاتل أخيها بين ظهراني القبيلة وتصور إفلاته منها ، بسيف في يدها وبادرت إلى ضربه. فكان منظر الدم شيئا لم يستطع الرجال مقاومته ، فسلت السيوف كلها في لحظة واحدة وأغمدت في جسم ضيفهم منكود الحظ الذي قطع إربا إربا.
وقد عاد الشيخ فتميز غيظا وغضبا لما اقترفه الفاعلون من انتهاك فاضح لواجبات الضيافة. لكنه فوّض أمره لله بعد أن لم يكن بوسعه أن يفعل شيئا لتلافي ما وقع. فتصرمت الأيام وانقضى الزمن ونسيت القبيلة حادثة القتل هذه ، كما تنسى غيرها من الحوادث. غير أن أم القتيل لم تنس ذلك مطلقا. وإذ كانت عازمة على الانتقام لابنها ظلت تتعقب المخيم المعادي سنين عديدة وتتحين الفرص بصبر وأناة ، فلم تؤاتها الفرصة إلا في تلك الليلة المشؤومة التي كان فيها الرجل الإنكليزي ، الذي يقص القصة هذه ، ضيفا بطريق الصدفة في خيمة الشيخ ، وشهد تنفيذ انتقامها الوحشي.