ولم تصبح رذيلة السكر شيئا اعتياديّا في بغداد فقط بل أصبحت شيئا عامّا تقريبا. فقد كانت على أيام داود پاشا شيئا مخفيّا يتكتم به الناس على الأقل ، غير أن الپاشا الآن يقود طبقة السكارى بنفسه ، ويرى عادة وهو لا يكاد يقدر على السير حينما يعود مساء من حفلاته الداعرة في البساتين. ويبدو أن شيخ زبيد قد تعود على هذا النوع من العيش ، ولم يكن حديثه معي على ما تدل عليه الترجمة بيننا رقيقا حتى ولا محتشما على وجه التأكيد. على أنه وعدنا بالمساعدة والأمان التام في داخل ديرته هو ، وبالأدلاء والحراس إذا ما احتجنا إليهم في المناطق الأخرى.
وقد ركبنا في المساء إلى الكاظمية ، وهي قرية تقع على بعد ثلاثة أميال تقريبا من شمالي بغداد ، حيث يوجد ضريح الإمام موسى الكاظم إمام الشيعة الذي قطع هارون الرشيد رأسه على ما أعتقد. وكان قد حبس في جب لا يزال يرى إلى يومنا هذا ، وهرب منه بمعجزة على ما يقال. ويزعم آخرون أن رأسه قد قطع بأمر من الخليفة ومع هذا يمكن أن يرى في بعض الأحيان حتى في هذه الأيام جالسا في مكانه القديم في الجب (١). والظاهر أن هذا المزار واسع
__________________
(١) لا شك أن هذه الأقاويل لا أساس لها من الصحة مطلقا. فالمعروف أن الإمام موسى الكاظم عليهالسلام قد توفي يوم الجمعة لخمس بقين من رجب ١٨٣ ه ، وكان عمره يوم وفاته أربعا وخمسين سنة أو خمسا وخمسين. وقد توفي مسموما بإيعاز من الخليفة العباسي هارون الرشيد في حبس السندي بن شاهك ، ولم يقطع رأسه الشريف. وقد جاء في (حياة الإمام موسى بن جعفر) لمؤلفه السيد باقر شريف القريشي «.. أن يحيى بن خالد دس إلى الإمام سمّا في رطب وعنب فقتله ، ومما يؤيد ذلك ما رواه عبد الله بن طاوس ، قال : سألت الإمام الرضا عليهالسلام قلت له : هل أن يحيى بن خالد سمم أباك موسى بن جعفر؟ فقال الإمام نعم سممه في ثلاثين رطبة مسمومة. وذكر أبو الفرج الأصفهاني في (مقاتل الطالبيين) أن الرشيد لما غضب على الفضل بن يحيى لترفيهه على الإمام حينما كان في سجنه وأمر بجلده خرج يحيى من عند الرشيد وقد ماج الناس واضطرب أمرهم فجاء إلى بغداد ودعا السندي بن شاهك وأمره بقتل الإمام. فاستدعى السندي الفراشين وكانوا من النصارى فأمرهم بلف الإمام في بساط فلف وهو حي ، فجلس عليه الفراشون حتى توفي». لكن رواية السم أصح على ما يعتقد.