ويصعب هذا كله على السياح من مثلي الذين يعد التأخير بالنسبة لهم شيئا متعبا وخطرا. هو خطر على الأخص بالنسبة للعدد الكبير من الزوار الإيرانيين كذلك ، الذين يأتون من بلاد بعيدة لزيارة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف الأشرف ، فقد عاد أولئك الذين دفعتهم حماستهم منهم إلى التجاسر على سلطة الأعراب وقد سلبوا إلى حد العري ، ومن دون أن يروا العتبات بأعينهم. ومن الحقائق التي تدل على ضعف الحكومة التركية التام في هذه الولاية أن جميع العتبات التي لها قدسية خاصة تقريبا قد جعلت ملاذا لشر الناس في المجتمع وأكثرهم تفاهة ، ولا تزال في وضعها هذا حتى الآن. ومن المحتمل أن يكون هذا قد نشأ عن طبيعة الحماية التي تقدمها هذه الأماكن للناس من دون تفريق بينهم ، ولأن هذه الحماية يستغلها في الدرجة الأولى أسوأ الخارجين على القانون من الناس بطبيعة الحال. لكنه على كل امتياز لا يسمح «المتولي» ، ورجال الدين أو خدام الحضرة ، للسلطات الزمنية أن تتعرض له. وهكذا يتجمع أصحاب السوء ـ وقد يدفعون الكثير من المال من أجل الحصول على الحماية ـ حتى يكون في مقدورهم الهيمنة عليها كما هي الحال في محلة (١) الشيخ عبد القادر ببغداد نفسها. وقد حصل مثل هذا الوضع كذلك في النجف وكربلاء معا ، ولكن بمقياس أوسع وحالة أسوأ بكثير. إذ ازداد عدد المتمردين المتجمعين هناك بحيث لم يعد من الممكن لحاكم المنطقة ولا لسلطة الپاشا أن تسيطر عليهم. وهؤلاء لا يفعلون ما يريدون فحسب ، بل كانوا أيضا يطلبون من الزوار الذين يأتون لزيارة العتبات المقدسة الإذعان لأوحش الطلبات وأبعدها عن المألوف والمعقول ، وفي حالة عدم الانصياع كانوا ينهبون أمتعتهم ويجردونهم حتى من ألبستهم ، كما يسلبونهم زوجاتهم وبناتهم في بعض الأحايين. وقد استفحل هذا الشر لدرجة اضطر فيها داود پاشا نفسه إلى تجريد قوة ضد هؤلاء في النجف ، فنجح في إخضاعهم للطاعة.
__________________
(١) باب الشيخ