وابتزاز مبالغ غير يسيرة منه. فرثى لسلامة النية الموجودة عنده ، بينما كان يستنكر الضعف المؤدي إليها. وكان من الواضح أنه كان يعتقد بأن المغامر الذي كنت أسهب في التحدث عنه لا بد أن يظهر دجله في النهاية ، ويكتشف احتياله ، كذلك.
أما الدراويش والفقراء والقلندرية والمتسولون والمتشردون من جميع الأنواع فليسوا قلة في بغداد ، إنها في الحقيقة موطنهم الملائم. ومع أنهم لا يدعون كلهم بقدرتهم على صنع الذهب فإنهم يجدون الوسائل المناسبة للتمتع بعيش مريح بكفاية من تصدق المسلمين عليهم واعتقادهم بالخرافة هنا. فهناك عدا الإخوان المتولين عدة تكيات لهؤلاء الناس هنا ، كما في استانبول ، وهي تنعم بمقدار غير يسير من الخيرات والهبات. ولا يقوم أعضاء هذه الربط بالاستجداء بصخب وعلانية ، لكنهم لا يردون هبات الميالين إلى التصدق من الناس وهداياتهم. ويحصلون على المال بوسائل مختلفة ، وخاصة وسيلة القيام بمعجزات مزعومة. فلا يعطون الرقى والتعاويذ ضد المرض والجروح والشرور من جميع الأنواع فقط ، وإنما يوجد أيضا صنف منهم يزعمون أنهم لا يؤثر فيهم الحديد ولا يمكن حرقهم بالنار. ويجتمع هؤلاء في أيام الجمع حول قبر من قبور الأولياء الذين ينتمون إلى صنفهم ويعرضون معجزاتهم على الناس المندهشين الذين يأتون للتفرج على حلقاتهم القدسية. لكنني قبل أن أروي لكم قصة زيارة قمت بها لهؤلاء المتعصبين أراني ميالا إلى أن أسجل لغرض تثقيفكم بعض التفصيلات المختصة بدراويش بغداد ، التي اقتبستها من أوراق أحد الأصدقاء حول الموضوع.
فهناك على ما يبدو في بغداد ثلاث طبقات كبيرة من الدراويش :
أولا دراويش التكايا الموقوف لهم ، وثانيا المتسولون المتفرقون الذين يمكن أن نسميهم بالمتوطنين ، وثالثا القلندرية أو الأولياء المتجوّلون.
ويعيش دراويش التكايا من واردات خاصة يحترمها حتى أسوأ الحكام. والحقيقة أن بعضهم رجال منصرفون إلى الدراسة والتأمل ، وبعضهم الآخر متعصب متحمس ، والعدد الأكبر منهم ينهمك في الشهوات ويدمن على