أثناء العملية طلب الرجل شيئا قليلا جدا من الزرنيخ الأبيض والأصفر ، ولأجل أن يحول المسيو ماركي دون استخدام أية حيلة بعث يجلب هذا المركب من مخزن كان بوسعه أن يعتمد عليه في كونه يبيع أشياء أصلية غير مغشوشة. وقد وضع هو بنفسه حتى الزرنيخ في البودقة ، ولم يتقرب الكيميائي الممتحن منه مطلقا سوى لإضافة كمية قليلة جدا من مسحوق معين أخرجه بملعقة صغيرة من احدى العلب. وسكب المسيو دي ماركي بنفسه المعدن المتميع حينما أصبح جاهزا من البودقة وحفظه عنده. فوجد عند ما فحصه أن قسما منه قد استحال إلى ذهب بالفعل ، وحينما وزن الكتلة كلها وجدها أثقل قليلا من النحاس الذي كان قد وضعه في البودقة. فاستفسر من الكيميائي العربي كيف يمكنه أن يعلل هذا الفرق في الوزن ، فذكّره هذا في الحال بالزرنيخ المضاف الذي يؤلف بمجموعه نفس المقدار إذا ما أضيف إليه النحاس. وقد أجرى المسيو دي ماركي بعد ذلك التجربة نفسها فوجد النتيجة على مثل ما قال عنها رجل الكيمياء الماهر.
ثم عمد المسيو دي ماركي بعد ذلك إلى مفاعلة الكتلة كلها مع ماء الفضة (حامض النتريك) فأذاب ما تبقى من النحاس الأصفر وترك الذهب وكأن لم يمسسه شيء ، وحينما وزن هذا تبين أنه يقدر بثلث الكتلة كلها. وعند ما طلب إليه أن يبين لم لم ينقلب النحاس كله إلى ذهب أجاب إن العملية كلها عبارة عن عملية تجريبية وهي لا بد أن تكون غير تامة من جميع النواحي ، أي أنها كانت على ما أعتقد ثاني تجربة أجراها مع هذه المواد. وقد فحص الذهب وأخضع لتأثير حجر الحك (محك الذهب) في السوق فوجد أنه على أحسن ما يكون ، وأنه ذهب يمكن تسويقه.
__________________
ـ التابعة لمحلة الصفافير. وقد ظلت الحكومة مخولة بذلك حتى سنة (١٢٦٢ ه) ١٨٤٥ م حين أسست الدولة العثمانية في استانبول (سكة خانة) حديثة جلبت آلاتها من إنكلترة فصار في مقدورها سك النقود لجميع الولايات التابعة لها. ومن عرف في بغداد من المشرفين على سك النقود عدا المسيو دي ماركي أحمد أغا الجيبه جي ، الذي كان يشغل منصب (سكة أميني).