وكان واحد زمانه في رواية شعر العرب ، واصح الناس معرفة باللغة. وله في كل أسبوع يوم يحضر فيه مجلس المتوكل على الله. فرفع امري الى الفتح بن خاقان فوصفني للمتوكل على الله فأمر باحضاري الى مجلسه. وكان المتوكل على الله تعجبه الاخبار ، ويروي صدرا منها يمتحن بها من يراه بما يقع فيها من غريب اللغة. فلما دنوت من طرف بساطه استدناني حتى صرت الى جانب بندار. فاقبل علينا وقال : يا بندار ويا ابن يزيد ما معنى هذه الاحرف التي جاءت في هذا الخبر «ركبت الدجوجى وامامي قبيلة فنزلت ثم شربت الصباح فمررت وليس أمامي الا نجيم فرقصت أمامي فمنحت النحوص الخ ..»؟ فبقيت متحيرا. فقال بندار : يا أمير المؤمنين في هذا نظر وروية. قال : اجلتكما الى الغد فانصرفا وباكراني غدا. فخرجنا من عنده ، فقال بندار : ان ساعدك الجد ظفر بهذا الخير فاطلب فاني طالبة. فانقلبت الى منزلي وقلبت الدفاتر ظهرا لبطن حتى وقفت على هذا الخبر في اثناء اخبار الاعراب فحفظته. وباكرت بندار فانهضته معي وذهبنا الى مجلس المتوكل على الله. فرويت الخبر ثم فسرت الفاظه. فالتفت الى بندار وقال : ابن يزيد فوق ما وصفتم ، وامر باحضار الخازن ، وامره بأن يقول للحاجب يسهل دخولي عليه (١).
واعتاد المتوكل على الله ان يتخير لتأديب ولده مشاهير رجال اللغة والادب. فقد اختار لتأديب ابنه طلحة الملقب بالموفق عالم الأنساب والاخبار الزبير بن بكار. ولما ارسل يطلبه أمر له بعشرة آلاف درهم ، وعشرة تخوت من الثياب ، وعشرة بغال يحمل عليها رحله الى سامرا (٢).
وطلب مرة الى قائده ايتاخ ان يتخذ بعض المؤدبين لولده. فأمر ايتاخ كاتبه سليمان بن وهب ان يتولى ذلك. فبعث سليمان
__________________
(٤٢) نفس المصدر ٢ / ٣٩١ ـ ٣٩٢.
(٤٣) نشوار المحاضرة ٤ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨.