ولا يخفى أنّ جعل معمّر قبورهم كالمعين
على بناء بيت المقدس ، دالّ على أنّ تعظيم مراقدهم تعظيم لشعائر الله سبحانه.
ونقل نحو ذلك ـ أيضاً ـ في حديثين
معتبرين ، نقل أحدهما الوزير السعيد بسندٍ ، وثانيهما بسند آخر .
والسيرة القطعية ـ من قاطبة المسلمين ـ
المستمرّة ، والإجماع ، يغنيان عن ذكر الأحاديث الدالّة على الجواز.
وما أعجب قول المفتين : «أمّا البناء
على القبور فممنوع إجماعاً»!
فإنّ مذهب الوهّابيّة ـ وهم فئة قليلة
بالنسبة إلى سائر المسلمين ـ لم يظهر إلاّ قريباً من قرن واحد ، ولا يتفوّه أحد من
المسلمين ـ سوى الوهّابيّة ـ بحرمة البناء ، فأين الإجماع المدّعى؟!
ودعوى ورود الأحاديث الصحيحة على المنع
ـ لو ثبت ـ غير مجدٍ لإثبات الحرمة؛ لأنّ أخبار الاحاد لا تنهض لدفع السيرة
والإجماع القطعي ، مع أنّ أصل الدعوى ممنوع جدّاً.
فأنّ مثل رواية جابر : «نهى رسول الله
أن تجصّص القبور ، وأن يكتب عليها ، وأن يبنى عليها ، وأن توطأ» لا تدلّ على التحريم؛ لعدم حرمة
الكتابة على القبور ووطئها ، فذلك من أقوى القرائن على أنّ النهي في الرواية غير
دالٍّ على الحرمة ، ولا نمنع الكراهة في غير قبور مخصوصة.
مع أنّ الظاهر من قوله : « يبنى عليها »
إحداث بناء كالجدار على