على ان المعتصم بالله ما لبث ان ادرك ان الأرض التي اختارها ضيقة غير قابلة للتوسع لاحاطتها بدجلة والقاطول من جهة ، ولارتفاع ضفة القاطول اليمنى بسبب تراكم الاتربة الناشئة من حفر هذا النهر على شاطئه الايمن ، فتكون من ذلك سلسلة مرتفعات وتلول على طول الضفة المذكورة حجزت الاراضي الواقعة الى جنوبه عن الواقف بالضفة اليسرى ، مما يخلق حاجزا بين جانبي المدينة (١) ، وهي بذلك لا تفي بقيام حاضرة للخلافة ، كما وجد ان طبيعة الارض حصا وانهار يصعب البناء فيها (٢). وكان الموضع فوق ذلك شديد البرد فتأذى به المعتصم بالله وحاشيته ، حتى قال بعض من كان معه (٣) :
قالوا لنا ان بالقاطول مشتانا |
|
فنحن نأمل صنع الله مولانا |
الناس يأتمرون الرأي بينهم |
|
والله في كل يوم محدث شانا |
وكان المعتصم بالله قد صار في خلال خروجه الى الصيد الى ارض واسعة ، وهي صحراء من ارض الطيرهان خالية من السكان ولا عمارة بها سوى دير للنصارى ، فوقف بالدير وسأل من فيه عن اسم الموضع. فقال له بعض الرهبان : «نجد في كتبنا المتقدمة ان هذا الموضع يسمى سرمن رأى وانه كان مدينة سام بن نوح ، وانه سيعمر بعد الدهور على يد ملك جليل مظفر منصور له اصحاب كأن وجوههم وجوه طير الفلاة ينزلها وينزلها ولده. فقال : انا والله ابنيها وانزلها وينزلها ولدي. ولقد امر الرشيد يوما ان يخرج ولده الى الصيد ، فخرجت مع محمد والمأمون واكابر ولد الرشيد فاصطاد
__________________
(٣٧) مدينة المعتصم على القاطول / ١٦٧.
(٣٨) كتاب البلدان / ٢٥٧ ، وفتوح البلدان / ٢٩٥.
(٣٩) مروج الذهب ٤ / ٥٤.