وكان ابن رائق شهما مقداما سخيا جوادا ، لكنه كان عظيم الكبر ، مستبدا برأيه ، منزوعا من التوفيق والعصمة والتسديد.
وكان أحمد بن علي بن مقاتل بحلب من جهة أبي بكر بن رائق ومعه ابنه مزاحم بن محمد بن رائق ، فقلّد ناصر الدولة علي بن خلف ديار مضر والشام ؛ وأنفذ معه عسكرا ، وكاتب يانس المؤنسي أن يعاضده.
وكان يانس يلي ديار مضر من قبل ناصر الدولة فسار إلى «جسر منبج» وسار أحمد بن مقاتل ومزاحم إلى منبج ، فالتقوا على شاطىء الفرات.
وسيّر يانس كاتبه ونذيرا غلامه برسالة إلى ابن مقاتل ، فاعتقلهما ووقعت الحرب بين الفئتين ؛ ولحق يانس جراح كادت تتلفه فعدل به إلى «قلعة نجم» (١) ليشده. ونظر نذير غلامه وهو معتقل في عسكر ابن مقاتل ، على بغل إلى شاكري (٢) ليانس معه جنيبة من خيله ، فأخذ سيف الشاكريّ ، وركب الجنيبة ؛ وصار إلى ابن مقاتل فقتله وانهزم عسكره.
وأفاق يانس المؤنسي ، فسار وعلي بن خلف متوجهين إلى حلب وتلاوم قواد ابن مقاتل على هزيمتهم ؛ فعادوا إلى القتال في وادي بطنان ، فانهزموا ثانية ؛ وملك علي بن خلف ويانس المؤنسي حلب في سنة ثلاثين وثلاثمائة.
ثم إنّ علي بن خلف سار منها إلى الإخشيذ محمد بن طغج ، فاستوزره وعلا أمره معه ، إلى أن رآه يوما ، وقد ركب في أكثر الجيش بالمطارد والزيّ ؛
__________________
(١) قلعة حصينة قرب جسر منبج. معجم البلدان.
(٢) الشاكري : معرب جاكر ، وهو الأجير أو التابع.