وفى الليلة السابقة لوصولى دهميت ، جاءنى نوبى فى ساق الجمل يشكو إلىّ ظلم داود وطغيانه. ذلك أن داود نمى إليه أن الرجل وأسرته ينعمون سرا بأكل خبز من دقيق القمح ، فاعتبر هذا دليلا كافيا على ثرائه العريض. ومن ثم حاصر أعوان داود بيت الرجل ليلا ، وطلبوا منه بعيرا لسيدهم ، ولما أبى هاجموا بيته ، وإذ لم يكن له جيران أقربون ، فقد أخفق فى الدفاع عن نفسه ، فأثخنوه تجريحا وأخذوا ماله غنيمة. ورأيت داود فقير المظهر يرتدى الجلباب الأبيض الذى يلبسه النوبيون. وقد سألنى أن أعطيه بارودا ، ولكننى اعتذرت بأن ذخيرتى من البارود لا تكاد تكفينى (١) ، فلم يبد عليه أى امتعاض لرفضى إجابة سؤاله ، وكان مئات من الفلاحين مجتمعين حول معسكره ومعهم قطعان البقر والغنم التى يدفعون منها الخراج.
وغادرنا دهميت ، وبعد رحيلنا من وادى دبود بخمس ساعات وصلنا وادى قرناس ، حيث مررت بأطلال معبد صغير لم يبق منه غير ركن جدار ، ولم أر بقايا أعمدة ، ولكنى رأيت على بعض الأحجار المتناثرة نقوشا هيروغليفية تكرر فيها قرص الشمس المجنح. وهناك خرائب واسعة تجاه هذا المكان على الضفة الغربية. وقد ذكر لى الخبير أن فى الجبل الشرقى ، على مسيرة يوم كامل ، توجد خرائب مدينة تدعى قملة وبلغنا نجع الجامع بعد خمس ساعات ، وتيفة بعد ست ، والقريتان تقومان على ضفتى النهر. وعرض الوادى بين ضفة النهر وسفح الجبل ربع ميل. وهنا توجد خرائب بنائين قريبين من بعضهما البعض لم يبق منهما غير الأساس. وهما مبنيان بالحجر الرملى بناء بدائيا جدا ، ومساحتهما أربعون قدما مربعة. وليس هناك بقايا أعمدة ولا أحجار منقوشة من أى نوع. كذلك توجد بعض الخرائب على الجانب المقابل من النهر. ولا شك أن هذه الخرائب هى بقايا (Contra Taphis ,Taphis) طافية. وإلى الجنوب من هذه الأطلال مباشرة
__________________
(*) منذ تقهقر المماليك إلى دنقلة حظر محمد على باشا والى مصر بيع البارود فى جميع أرجاء الصعيد ، وبذلك منع وصول الذخيرة إلى أعدائه الذين يضطرون الآن إلى شراء كل ٦ دست من الخرطوش بعبد.