لا يستر عوراتهن
شىء. ولا شك أن اللغة النوبية هنا قد أقصت العربية التى لم يعد يفقهها أحد من
الفلاحين.
ورأيت وأنا أدنو
من معسكر الأميرين النوبيين عدة قرى مهجورة ، آثر أهلها ترك حقول القطن التى
زرعوها ، وما يرجون من محصولها ، على الرضوخ لطغيان أتباع هؤلاء الحكام الذين رأيت
جيادهم وإبلهم ترعى حقول الشعير ، والذين انتزعوا الحصر من البيوت المهجورة
وحملوها إلى المعسكر لتستعمل وقودا. وبعد أربع ساعات بلغنا معسكر محمد كاشف تجاه
وادى تينارى ، وهو مجموعة من النجوع تقوم حول حصن تينارى المبنى بالطوب ، وهو أهم
بقعة فى المحس. وكان هذا منتهى رحلتى فى الجنوب ، وكنت قد أوصيت دليلى أن يتوخى
الحذر فى الجواب عن أسئلة محمد كاشف ، فإذا سئل فى أمرى فليجب بأن حسن كاشف قد
أمره بمراققتى ، ولكنه لا يعلم عن مهمتى شيئا. وهو قول حق ، لأننى لم أتح له قط
رؤيتى أدون مذكراتى فى أثناء رحلتى.
كان الأخوان حسين
ومحمد كاشف قد قدما المحس ليحاصرا حصن تينارى الذى استولى عليه ثائر من بنى عمومة
ملك المحس. ولما كان الملك حما حسين كاشف فقد وجبت نجدته على حسين ، فذهب فى نحو
ستين من رجاله. ووجدتهم جميعا معسكرين فى أكواخهم على ضفة النهر الغربية تحت أسوار
الحصن ، بينما احتل أخوه محمد الضفة الشرقية بعدد مماثل من الرجال. وكان الأخوان
يحاصران الحصن من أسابيع ، وقد طلبا من الحامية التسليم غير مرة فأبى رجالها مع
أنهم لم يعدوا الخمسة عشر رجلا. وأخيرا فكرا فى قطع الماء عنهم ، فأرسلا فى طلب
زورق من أرقو ، ووقف الزورق على ضفة النهر تحت الحصن مباشرة ، وعلى ظهره رجال
مسلحون بالبنادق يحميهم من نيران الحامية غطاء صفيق من جذوع النخيل التى صفت على
ظهر الزورق. واستطاع هؤلاء الرجال ببنادقهم أن يمنعوا المحاصرين من استقاء الماء
من النهر ، فاضطرت الحامية إلى طلب الصلح. وتعهد لهم محاصروهم بالعفو وسلامة
الإياب ، وسلم الحصن فى الليلة السابقة لوصولى.