ومحصول حقول شندى وما جاورها لا يسد حاجة أهلها التى تتزايد لوفود القوافل عليها وفودا لا ينقطع. فتستورد الذرة من أبو حراز على الأخص ، وهى فى الطريق إلى سنار. وقد وصلت منها فى أثناء مكثى بشندى قافلة تحمل الذرة قوامها أكثر من ثلاثمائة جمل ، وكان ثمن الذرة يوم وصولنا ريالا لكل اثنى عشر مكيالا فهبط إلى ريال للعشرين. ويتقلب ثمن الذرة كل يوم تقريبا إذ تتأثر السوق بوصول كل قافلة من قوافل التجار الذين يبتاعون منها المقادير الكبيرة طعاما للرقيق وعليقا للابل. كذلك يحتكر المك تجارة الغلال ما وسعه الاحتكار ، ويقال إن الذرة موفورة جدا فى أبو حراز وسنار ، فالأربعون مكيالا تباع بريال ، وهى فى شكلها وحجمها شبيهة بذرة شندى والصعيد ، ولكنها غبراء اللون ، وغذاؤها فيما يروون أقل ، لذلك فهى أرخص بطبيعة الحال.
والخيل فى شندى أوفر منها فى بربر ، ويقولون إن فى وسع المك أن يحشد فى شندى نفسها من مائتى فارس إلى ثلاثمائة. ويؤثر بدو الجعليين ركوب الأفراس على ركوب الفحول كعادة العرب الشرقيين ، أما سكان شندى فيؤثرون ركوب الفحول. ورأيت عند أخى المك ـ وهو الراس سعد الدين ـ جوادا اشتراه من الجنوب بثلاثة عشر عبدا ، وهو أجمل ما رأيت من الخيل. وقد احتشد فرسان شندى عن بكرة أبيهم فى يوم مهرجان أقامه المك نمر بمناسبة ختان ولد له ، وطافوا المدينة مع أسرة المك وجيادهم تثب وتخطر ، ولكنى لم أر فيهم شيئا من المهارة ، ولم يحاول أحدهم ضربا من تلك الألعاب التى اشتهر بها فرسان المماليك ، وكل ما فعلوه هو الوثب أماما وخلفا ، ولم ألحظ بينهم فارسا مقداما جسورا. ومع ذلك فهؤلاء الفرسان هم عماد المك ، وعليهم المدار فى جميع المعارك التى يكره على أن يخوضها مع أعدائه. وتشبه سروج الخيل ولجمها ومهاميزها ـ التى لا يضعون فيها غير كبرى أصابع القدم ـ نظائرها عند أهل بربر وعند عرب الشايقية الذين يشتهرون بالفروسية فى هذه البلاد اشتهار المماليك بها فى تركيا فيما مضى. ويقتنى نمر زهاء اثنتى عشرة بندقية اشتراها أو أخذها من التجار المصريين ، وهو يسلح بها عبيده المقربين إليه ، ولكن قل منهم من تتوافر له الشجاعة الكافية لإطلاق النار ، وليس منهم من