جعلا يشربان ويقصفان فيه حتى مطلع الفجر.
٩ أبريل ـ هلت علينا هذا الصباح طلعة المك حمزة. خرج من داره وسار فى السهل ثم جلس على مصطبة من الحجر قرب أحد البيوت أمام متاعنا. وكان متجردا من ثيابه لشدة القيظ ، لا يلبس إلا وزرة مشدودة إلى حقويه ، وشعره ملطخ بالدهن ، وفى ركابه من الرقيق ستة أو ثمانية ، يحمل أحدهم قربة ماء صغيرة مصنوعة من الجلد السنارى صنعا بديعا ، ويحمل ثان سيفه ، وثالث درقته ، وهكذا ظهر جلالته فى كامل أبهته وخيلائه. وريع لمظهره أصحابنا التجار ، وكانوا قد عللوا أنفسهم بأنه سيأذن لهم بالرحيل فى الصباح الباكر ، ولكنهم أوجسوا الآن من شر ضريبة جديدة قد تفرض عليهم. ومضينا إليه جميعا فقبلنا يده ، ووقفنا بين يديه فى خشوع واتضاع. وقال جلالته إنه مغتبط برؤيتنا ، وإنه صديق صدوق للتجار ، ولكنهم قد غدوا بخلاء مقترين. ثم أصر على أن نعطى ابنه هدية ، وتطلع إلى القافلة فإذا فيها حمار طيب فأمر ابنه أن يمتطيه. وعرض عليه صاحب الحمار ستة ريالات يفتديه بها ولكنه أبى ، وسيق الحمار إلى إسطبل المك ، ثم أذن لنا فى الرحيل. وتشاء المصادفة أن يكون هذا الحمار هو الذى طويت على ظهره الصحراء. وكنت فى أثناء الرحلة قد أدركت ما للحمير المصرية من سمعة طيبة فى الأقطار الجنوبية ، حتى ليتهافت الناس لا سيما وجوههم على اقتنائها ، وكان حمارى قد اشتهر فى القافلة بصلابة عوده وعظم نشاطه ، فقدرت أننى لن أستطيع أن أدفع عنه جشع الأمراء والرؤساء ، لذلك قايضت عليه فى الليلة السابقة لوصولنا بربر بحمار أصغر حجما وأقل صلابة ، وكان الحمار لأحد التجار الدراوبين ، وظفرت منه فى هذه الصفقة بريال. ولست أشك فى أنه كان يضحك من غفلتى بينه وبين نفسه ، ولم يدر بخلده أن الحمار قد يؤخذ منه عنوة وغصبا ، وكان يقدر أنه سيبيعه بعشرة ريالات أو اثنى عشر. واستطاع الرجل فى بربر أن ينقذ الحمار من برائن المك نور الدين ، أما المك حمزة فكان صلبا لاتلين له قناة ، وندم الرجل على الصفقة ولات حين مندم ، وطالبنى فى إلحاح برد حماره القديم ولكن العبابدة انحازوا إلى صفى ، بل إنهم امتدحونى ـ بينى وبينهم ـ لأنى ورطته فى هذا المأزق.