أخيرا. ومثل هذه الجزية يفرضها ملك سنار على القبائل الصغيرة بين الشايقية وبربر ، وهو يولى ملوكهم كما يولى ملك بربر. وينزل بربر أغراب كثيرون فضلا عن عرب الميرفاب ، ففيها دناقلة وعبابدة من صعيد مصر ، ومن هؤلاء من استوطن بربر ، ومنهم من تزوج من بربر وله بمصر أسرة أخرى.
وليس لملك القبيلة على أبنائها العرب ـ لا سيما أبناء الأسر القوية ـ ، إلا أضعف النفوذ وأوهاه ، وهو لا يفرض ضريبة على حقولهم أو محاصيلهم ، ولكنه لا يرحم الغرباء لأن جل إيراده مما يجبيه منهم من ضرائب وما يبتزه من عطايا. والجزية التى يؤديها لسنار يجمعها من القبيلة كلها ، وهو جد حريص على ألا يخرج من هذه الصفقة خاسرا. أما المال الذى يؤديه لملك سنار نظير الاعتراف به خلفا للملك المتوفى فيجمع فى الأكثر بقرض إجبارى يأخذه من أى قافلة يتفق مرورها إذ ذاك. والوصول إلى الحكم أمر ميسور لأى فرد من أفراد الأسرة الحاكمة أوتى من النفوذ والنفر والمال ما يكفل اختياره فى سنار.
وتقع قرى بربر الأربع على حافة الأرض الزراعية على مسيرة ساعة من النهر الذى يشق الصحراء الرملية. وتتألف كل قرية منها من اثنتى عشرة نزلة منفصلة على أبعاد متقاربة ، ويفصل البيوت عن بعضها البعض حيشان واسعة ، لذلك لا تجد فى القرية شوارع منظمة ، وبناؤها لا بأس به ، وتبنى باللبن أو الآجر ، وليست فى منظرها دون بيوت الصعيد. وفى كل بيت حوش كبير له قسم خارجى وآخر داخلى. وحول الحوش تقوم غرف الأسرة وكلها فى الطابق الأرضى ، ولم أر فى هذه البلاد طابقا أعلى أو سلما. وهم يسقفون البيوت بالعروق يمدونها فوق الجدران ثم يغطونها بالحصير ومن فوقه يرصون البوص ثم يبسطون على هذا كله طبقة من الطين. وللسقف منحدر ينزلق عليه ماء المطر فيجرى فى أكثر البيوت فى قناة تنتهى به إلى الحوش فيستحيل هذا الحوش وقت المطر بركة قذرة. وتسكن الأسرة غرفتين ، وتخزن المئونة فى ثالثة ، وتستقبل الضيوف والأغراب فى رابعة ، وكثيرا ما تؤجر خامسة للغوانى. وقل أن تشتمل الغرفة من النوافذ على أكثر من طاقة صغيرة ، فإذا أرادو مزيدا من الضوء فتحوا بابها. وأبوابهم من خشب