والأرض خاشعة تبكّى شجوها |
|
ويلى تولول أين إسماعيل |
إن الإمام الفرد فى آدابه |
|
ما إن له فى العالمين عديل |
لا تخدعنك منى الحياة فإنّها |
|
تلهى وتنسى والمنى تضليل |
وتأهّبن للموت قبل نزوله |
|
فالموت حتم والبقاء قليل |
هذا كلام عبد الغافر ، وقد اشتمل من ترجمة شيخ الإسلام على ما فيه مقنع وبلاغ. [طبقات الشافعية الكبرى ، ج ٤ ، س ٢٧٣ ـ ٢٨٣].
[إمام الحرمين الجوينى]
قال عبد الغافر الفارسى الحافظ ، فى سياق نيسابور : إمام الحرمين ، فخر الإسلام ، إمام الأئمة على الإطلاق ، حبر الشريعة ، المجمع على إمامته ، شرقا وغربا ، المقرّ بفضله السّراة والحداة ، عجما وعربا ، من لم تر العيون مثله قبله ، ولا ترى بعده.
ربّاه حجر الإمامة ، وحرك ساعد السعادة مهده ، وأرضعه ثدى العلم والورع ، إلى أن ترعرع فيه ويفع.
أخذ من العربية وما يتعلّق بها أوفر حظّ ونصيب ، فزاد فيها على كل أديب ، ورزق من التوسّع فى العبارة وعلوّها ما لم يعهد من غيره ، حتى أنسى ذكر سحبان ، وفاق فيها الأقران ، وحمل القرآن ، فأعجز الفصحاء اللّدّ ، وجاوز الوصف والحدّ ، وكل من سمع خبره ورأى أثره ، فإذا شاهده أقرّ بأن خبره يزيد كثيرا على الخبر ، ويبرّ على ما عهد من الأثر.
وكان يذكر دروسا ، يقع كلّ واحد منهما فى أطباق وأوراق ، لا يتعلثم فى كلمة ، ولا يحتاج إلى استدراك عثرة ، مرّا فيها كالبرق الخاطف ، بصوت مطابق كالرّعد القاصف ، ينزف فيه له المبرّزون ، ولا يدرك شأوء المتشدّقون المتعمقّون ، وما يوجد منه فى كتبه من العبارات البالغة كنه الفصاحة غيض من فيض ما كان على لسانه ، وغرفة من أمواج ما كان يعهد من بيانه.
تفقه فى صباه على والده ركن الإسلام ، فكان يزهى بطبعه وتحصيله ، وجودة قريحته ، وكياسة غريزته ، لما يرى فيه من المخايل ، فحلفه فيه من بعد وفاته ، واتى على جميع مصنّفاته ، فقلبها ظهرا البطن ، وتصرّف فيها ، وخرّج المسائل بعضها على بعض ، ودرّس سنين ، ولم يرض فى شبابه